«المقطع الذى غير حياة الملايين»
«هذا الفيديو سيقلب حياتك رأسا على عقب»
«كلمات رائعة أتحداك إن لم تبك بعد قراءتها»
«أرجوك لا تدعها تقف عندك»
«بالله عليك أكمل قراءتها للنهاية»
هذه الجمل وغيرها يعرفها جيدا أصحاب الهواتف الذكية ممن لديهم تطبيق «الواتس آب».
إنها جمل يصدر بها كثير من الفضلاء تلك الرسائل الوعظية التى يرسلونها طوال اليوم لجميع من لديهم على قائمة الهاتف يبتغون بذلك نيل الثواب وتحصيل أجر نشر الخير والدال على الخير كفاعله.
بعضهم يرسلها بنية صادقة ورغبة مخلصة فى الدعوة إلى الله وهداية الخلق إلى طريقه وبعضهم يمررها بشكل تلقائى روتينى أو خوفا من التحذيرات المرفقة التى ترهبك أن تكون أنت من أوقف انتشار الخير لأنك تركت الرسالة تقف عندك ولم تستمع لتلك التحذيرات.
وبعضهم تشعر من كثافة ما يرسله أنه يتسلى أو أنه يعانى من وقت الفراغ لدرجة تجعل أصابعه لا تفارق جهازه الذكى مرسلة تلك الرسائل على مدار اليوم حتى يخيل إليك أحيانا أنه لا ينام!
المهم.. أيا كانت النية فإن هناك استماتة واضحة لدى من يرسلون ويعدون تلك الرسائل لإقناعك بالمشاهدة والقراءة.
لكن هل يقرأ الناس ويستجيبون؟!
الحقيقة، لقد شغلتنى إجابة هذا السؤال لفترة بعد أن لاحظت هذه الظاهرة التى ترتبط بنفس الموضوع الذى يشغلنى منذ فترة، وكتبت عنه الجزء الأول من هذه السلسلة من المقالات، وهو موضوع نمطية الخطاب الإصلاحى المعاصر والأبوية المسيطرة عليه.
شغلنى ذلك النمط من الرسائل الوعظية، وبدأت أسأل كل من أعرف ممن لديهم هذه الهواتف: هل تقرأون وتشاهدون؟
وما نسبة ما تشاهدون وتقرأون وما طبيعته؟
ولماذا؟
ولقد كانت الإجابة = فى الغالب لا نقرأ ولا نشاهد
وأحيانا كانت الإجابة تخص بـالرفض تلك المقاطع التى قرر أصحابها أنها لا شك ستغير حياتك وستبكيك وستجعلك إنسانا آخر.
المقطع من الممكن فعلا أن يكون قد غير حياة إنسان
وربما تكون كلمات المقالات بالفعل رائعة وتمتلىء بالحكم والفوائد، لكن المشكلة كالعادة أنك قد قررت عنى، أنك قد قطعت وجزمت بشىء لا يحتمل الجزم واستثرت طبيعة بشرية كامنة فى نفوس كثير من الخلق، طبيعة العناد والتحدى، خصوصا مع جيل أشرت فى المقال السابق إلى أنه لم يعد من السهل إبهاره وأنه لا يقبل المعاملة الفوقية والخطاب الأبوى الاستعلائى الذى يقرر نيابة عنه، أضف إلى ذلك كارثة الملل وإلف العادة.
وما كان هذا هدى نبينا الذى وصف أصحابه طريقة وعظه فقالوا: «كانَ النَّبىُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يتخوَّلنا بالموعظة مخافةَ السَّآمةِ علَينا» صحيح البخارى.
لقد كان حريصا ألا يمل الناس خطابه ونصحه ووعظه ولا التسلط على رؤوسهم على مدار اليوم وهو المنزل عليه قول ربه «لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء» وقوله «إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء» وقوله «إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».
من هذا المنطلق كان يتخولهم بالنصيحة وينوع أساليبها ويفاجئهم بالعبرة دون مقدمات متكلفة تفرض عليهم مسبقا الانبهار بها.
وللحديث بقية إن شاء الله.