لا يمكن فهم البصمة الفنية التى تركتها مريم فخر الدين على شاشة السينما المصرية دون استيعاب الفترة الزمنية التى ظهرت فيها، فقد أطلت على الجمهور للمرة الأولى فى فيلم (ليلة غرام) عام 1951 لأحمد بدرخان، وفى هذه اللحظة التاريخية كان الظلم يمسك بخناق الشعب المصرى بشكل غير مسبوق من جميع النواحى، حتى أصبح مشوقًا إلى لحظة سمو أخلاقى بالمفهوم البسيط، وهو ما تجسد فى ملامح مريم فخر الدين، والدور الذى تقمصته بمهارة فى معظم أفلامها.
نجحت مريم فى فيلمها الأول، وقد تمتعت بوجه مشرق وعينين جميلتين وشفتين رقيقتين وشعر ناعم كالحرير - كما غنى لها حليم فيما بعد - وقد تفنن مدير التصوير عبد الحليم نصر فى تسليط الضوء على وجهها فى (ليلة غرام) لتبدو أقرب إلى الملائكة، خاصة أنها جسدت الفتاة المظلومة التى تتعرض لمكائد البشر وشرورهم، فلا تملك سوى الدعاء والبكاء، كما لاحظ بحق ناقدنا السينمائى الكبير كمال رمزى فى كتابه «نجوم السينما العربية.. الجوهر والأقنعة».
فى كل الأدوار التى أسندت إليها طوال الخمسينيات كانت مثالًا للبراءة والرقة كما شاء لها المخرجون والمنتجون، مثل أدوارها فى (رسالة غرام/ 1955)، (طاهرة/ 1957، وقد بدت فيه كقديسة)، (رد قلبى/ 1957)، (جريمة حب، وحكاية حب/ 1959)، وغيرها، لكنها براءة ساذجة تنم عن جهل بالحياة، وانعدام خبرة بالناس.
مع انتشار التعليم وخروج المرأة للعمل فى الخمسينيات والستينيات تبدل المزاج العام للجمهور، وأدرك أن ملائكية مريم فخر الدين مزورة تتكئ على جهل عميق بالدنيا وتناقضاتها، فكاد ينصرف عنها، لولا أنها حاولت أن تقدم دور المرأة اللعوب فى (مع الذكريات/ 1961)، لكنها - كما أعتقد - لم تحقق النجاح المأمول، ثم اقتحمت المجال فنانات من نوعية لبنى عبد العزيز، وسعاد حسنى، وهند رستم، وأدوارهن عبرت عن تحول كبير حدث فى المجتمع المصرى، حيث أصبح يرفض أى سذاجة بدعوى البراءة، وأى سلوك جاهل بدعوى القداسة والسمو!
أذكر أننى التقيتها مرة واحدة فى منتصف التسعينيات وحدثتنى عن فيلمها مع حليم بمحبة كبيرة.. شفاها الله.