للفيلسوف الروسى بليخانوف «1856/ 1918» كتاب صغير بالغ الأهمية، عنوانه «دور الفرد فى التاريخ»، يناقش فيه الدور الذى يمكن أن يلعبه الإنسان الموهوب فى تحويل مجرى تيار التاريخ أو تطويره، كما يوضح الكتاب أن الأمر لا يقتصر على الشخص الموهوب فحسب، إنما على الرجل الذى يفيض طموحه على المعتاد، والذى يأبى أن يظل أسيرًا للرتابة، مخنوقًا فى سجن الأحلام الصغيرة فقط!
تذكرت هذا الكتاب وأنا ضيف على مختبر السرديات فى مكتبة الإسكندرية قبل يومين، حيث بدا لى هذا المختبر الذى أسسه ويديره منذ سنوات الروائى المصرى السكندرى الموهوب منير عتيبة- بدا لى أنه يسهم بنشاط وافر فى تسليط الضوء على كوكبة من المبدعين المصريين والعرب الذين امتلكوا الموهبة الفياضة، والخيال الجسور.
فى كل ثلاثاء ينظم منير عتيبة لقاءً مع قاص أو روائى، حيث يستضيف ناقدًا أو أكثر لتتم عملية تشريح النص السردى الخاص بهذا المبدع أو ذاك، وفق مناهج علمية تزيد من فهمنا للعمل الإبداعى من جهة، ومن ثم إدراكنا لأنفسنا من جهة أخرى.
لا أظن أن هذا المختبر كان يستطيع أن يحقق كل هذا الحضور فى الوسط الثقافى لو أن مديره ومؤسسه لا يحظى بالحسنيين: الموهبة والطموح، وهما صفتان واضحتان فى منير عتيبة، وهكذا يمكن القول بيقين إن إحدى أكبر مشكلات مصر تكمن فى إبعاد الفرد الموهوب عن تولى المسؤولية، سواء فى مؤسسة صغيرة أو وزارة كبيرة، فمعظم «قادتنا» لا يتمتعون بالروح الوثابة، ولا بالطموح الكبير!
أرجو ألا تعتقد أن مختبر السرديات ملتقى ثقافى كامل الأوصاف، فهناك بعض الملاحظات السلبية أود أن أهمس بها فى أذن القائمين عليه عسى أن نصل بالعمل الثقافى إلى مستويات أكثر اكتمالًا، فكما قال الكاتب الصحفى الكبير مصطفى عبدالله الذى كان بجوارى على المنصة، يجب أن يتم توثيق هذه الندوات بأية وسيلة، وأظن أن وضع لافتة خلف المنصة مكتوب عليها التاريخ وعنوان الندوة والضيوف أمر غير صعب.
عمومًا.. يثبت نجاح الملتقى ومديره منير عتيبة صحة آراء بليخانوف حول دور الفرد فى التاريخ.