أذكر أن زميلا لنا كان فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية اسمه محمود حداد، وكان من طنطا وتربى فى جماعة أنصار السنة بها، وهو من سمعت منه أول مرة فى حياتى كلمة السلفية، كان محمود حرفيا بشكل مذهل، لحد أنه حين دعوته ليحضر عقد قرانى على زوجتى فى مسجد الفتح بمصر الجديدة رفض رغم ما بينى وبينه من صداقة وقال لى إن الشوكانى فى كتاب «السيل الجرار» يعتبر أن عقد القران فى المساجد بدعة وليس من السنة. سافر محمود حداد بعد ذلك إلى السعودية مدعوا للعمل هناك فى إحدى الجامعات وأقام فى مكة، وتزوج من زميلة لنا فى كلية الاقتصاد وسافرت هى معه، وكان محمود تتناثر لى بعض أخباره وحتى مراسلات بينى وبينه أول عهدى بالحياة بعد تخرجى من الجامعة والتحاقى بالجيش حيث كنت جنديا فى سلاح الدفاع الجوى.
اشتغل محمود وزوجته بالعلم الشرعى وتخريج الأحاديث والعمل عليها، بيد إن ما تناثر من معلومات عنه أفادت بأنه كان موجودا فى مكة تحت رعاية بعض أمرائها، وذلك لأن الجدل السلفى بين التيارات السلفية ذاتها كان جزءاً من استنزاف طاقة هؤلاء الشباب والجدال بينها وتبديد قدراتها على العمل الصالح المفيد وذلك عبر التركيز على الجزئيات الصغيرة وتكبيرها واعتبارها معيارا للتسنن والبدعة، بيد إن إلحاف محمود وزوجته فى التأسيس لتيار جزئى تقسيمى مربك داخل الحالة السلفية فى مكة جعل من كان يرعاه من الأمراء يرفع يده عنه ويرحله إلى مصر كما استقبله إلى السعودية من قبل.
كانت زوجتى وزوجة محمود زملاء وقد زرناها حين جاءت لتزور أهلها فى الشرقية - فى مطلع حياتنا حيث كنت أقيم بعد تخرجى من الجامعة فى منطقة الطالبية، وقد حكى لى طرفا من تقلبات محمود حداد زميلى الشيخ عبدالآخر حماد وقد كان يسبقنى فى الكلية بعامين، وقد تخرج من قسم الإحصاء بينما كنت فى قسم العلوم السياسية بيد إن المدينة الجامعية كانت تجمعنا معا، وكان الشيخ عبد الآخر يؤمنا فى الصلاة وقد كان حسن الصوت هادئ الطباع رقيق الحاشية، مطالعا للعلوم الشرعية، وبعد ذلك التحق بالجماعة الإسلامية وصار علما من أعلامها ووجها من وجوهها، وسافر إلى أفغانستان وأقام بألمانيا ردحا من الوقت، ثم عاد إلى مصر بعد المراجعات التى قامت بها الجماعة الإسلامية وقد التقيته عدة مرات بعدها، تذاكرنا فيها سيرة محمود حداد وتقلبات الحياة به.
كان محمود حداد قد اعتبر كتب سيد قطب فيها كثير من الغلو والشطط خاصة فيما يتعلق بالحكم على الناس وعلى الحالة العامة بالجاهلية والكفر، وعدم اتباع مذاهب السلف فى الأسماء والصفات، لحد أنه أفاد بعدم قراءة ومطالعة كتبه، وكان محمود جريئا فى الحكم على العلماء حتى القدامى منهم مثل الإمام النووى، فما بالك فى موقفه من سيد قطب، كان جهد محمود الدعوى موجها للأخوات، وحين قال بعدم قراءة كتب سيد قطب انقلبت المدينة الجامعية لأن الإخوان المسلمين دافعوا عن سيد قطب ووجهوا بأسئلة حوله كانوا محتارين فى الإجابة عليها، وأذكر أننى التقيت عصام العريان عضو مجلس شورى الإخوان فى إفطار رمضانى قبل الثورة وسألنى عن مصير محمود حداد وأين هو، لا أعرف أين محمود حداد الآن الذى أسس للطريقة الحدادية هو وزوجته زميلتنا التى تخرجت من كلية الاقتصاد - نسبة إليه كما قيل لى من عبد الآخر حماد، حين كنا فى الكلية شبابا يافعين كنا مقبلين على الحياة وعلى التفوق وعلى كلية الاقتصاد وعلى الحلم بأن نعمل فى الخارجية أو فى الجامعة أو فى مؤسسة مهمة فى الدولة، بيد إن غرابة الحياة وتقلباتها أخذتنا مآخذ لم نكن نخطط لها أو حتى نرغبها، إنها الأقدار حيث يد الله الرحيمة تأخذك مآخذ قدرية فيها لطف لا يعسفك فيقضى عليك ولا يهملك فتضيع فى غياهب الحياة وعواصفها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة