أمس الأول رحل الكاتب الصديق محمد إبراهيم مبروك بعد رحلة مرض قاسية، فى عيد ميلاده مطلع هذا العام كتبت كلاما، أعتقد أنه ما زال صالحا: سيكون فخورا لا شك برحلته العذبة وبخطواته الرشيقة فى بستان الثقافة المصرية، كان فى الستينيات أحد أبرز رموز الحداثة فى القصة القصيرة، وأحد وجوه النقاء فى العمل السياسى التقدمى، وعاش محبا للكتابة ومحرضا عليها، أعرفه طوال عمرى رجلا إيجابيا متواضعا متحققا نبيلا، ضعيفا تجاه الموهبة، لا يريد شيئا من أحد، لم يزاحم الآخرين على مزايا، منذ قصته «صوت صمت نزف نصف طائر جريح» التى نبهت إلى جوار أعمال «محمد حافظ رجب» إلى بزوغ ذائقة مختلفة، مرورا بـ«عطشى لماء البحر» وتجربة مجلة النديم، وحتى آخر ترجماته «بيت مسكون» التى صدرت مؤخرا عن أخبار اليوم، ومبروك فى قلب الحياة.
كانت «الجريمة والعقاب» لديستويفسكى والتى قرأها وهو فى الثامنة عشرة من عمره هى النداهة التى خطفته إلى عالم الأدب والجلوس إلى عذابات النفس البشرية، ثم جاء تشيكوف وجوركى وفوكنر وهيمنجواى وكافكا وتوماس مان وجويس، ليشكلوا انحيازه للجانب الخفى فى البشر، إلى أن وقعت تحت يديه رواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» لماركيز بترجمة للمبدع السورى صالح علمانى، فقرر أن يتعلم الإسبانية بعد تجاوزه الخمسين، ليبحث عن عروق الذهب هناك، ويقدم خلال عشرين عاما ثلاثة عشر كتابا أدبيا مترجما، مسح بها القارة البعيدة بحثا عن شىء غامض كبير يجمعنا، هو يعتبر ترجمة الأدب هى «عزق» فى أرض الحديقة، وأنها تغمر القلب بالشجن الذى يدفع المرء للكتابة.