عندما سألت المهندس الشاب الذى جلس معى فى مقهى بباب اللوق كيف سننقل 10 ملايين إنسان من القاهرة، كما قال ضمن اقتراحاته لحل مشكلات مصر، أجاب: «فلنشيد أربع مدن جديدة فى أماكن مختلفة من مصر، شريطة أن تحتوى هذه المدن على المصانع والمؤسسات والشركات والمطار، بحيث لا يحتاج أى إنسان إلى الذهاب للقاهرة لإجراء أية معاملة من أى نوع»، غمغمت موافقا، فانشرح صدره واستطرد بحيوية: «لكن علينا أن نوكل مهمة تأسيس هذه المدن إلى الأجانب المشهود لهم بالكفاءة والتميز كما فعلت بعض المدن الخليجية المتفردة، فمع كامل احترامنا للمصريين، فنحن للأسف الشديد لا نملك العلوم الحديثة فى تخطيط وإعمار المدن، وقارن من فضلك مترو الأنفاق فى البداية والآن!». ارتسمت على وجهى علامات الأسى، وسألته: «من أين ستأتى بالموارد؟».
ضحك الشاب فتبين لى أن هناك بروزا فى أسنانه الأمامية، وهتف: «يا أستاذ.. إن موارد مصر وفيرة لكنها منهوبة، وإذا تحتم الأمر فلتفرض الدولة على رجال الأعمال الالتزام بالإنفاق على هذه المدن الجديدة».
فجأة.. سمع صوتا عنيفا نتيجة ارتطام سيارة بميكروباس، وعلى الفور.. تعالت صرخات وصيحات وهرع الناس إلى مكان الحادث وتلوثت سماء باب اللوق بالسباب القمىء والألفاظ البذيئة. هب الشاب واقفا وأرسل عينيه نحو مكان الحادث، وسمع صوتا يتحسر لاعنا: «لقد ماتت طفلة وأمها»، فعاد الشاب إلى جلسته وردد بغيظ: «إنه الزحام.. إنها الفوضى.. دماؤنا رخيصة.. الزحام ألعن من الفقر.. ألم تكتب ذلك؟».
سادت لحظات صمت مشوبة بحزن كبير، وبعد أن تناولت آخر رشفة من الشاى سألته: «حسنا.. إذا كان الأجانب سيشيدون لنا المدن الجديدة، فمتى سنحل مشكلاتنا بأنفسنا؟»، كأنه كان يتمنى هذا السؤال، إذ سرعان ما ألقى الإجابة من حنجرته بسرعة البرق، فقال: «من الآن.. من تلك اللحظة.. علينا بإرسال 100 ألف شاب نابغ فى كل العلوم الحديثة إلى أوروبا وأمريكا واليابان لاستكمال دراستهم، وعند عودتهم يتولون هم قيادة كل مؤسسات الدولة، ونستغنى تمامًا عن العواجيز فى الحكومة والشركات».
حين غادرت المقهى همست: أحلام الشباب بلا حدود لكنها ممكنة!