حسن زايد يكتب: تلك هى الأزمة فهل إلى حلها من سبيل؟

الخميس، 13 نوفمبر 2014 04:00 م
حسن زايد يكتب: تلك هى الأزمة فهل إلى حلها من سبيل؟ صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أجدنى حائرأ إزاء هذه القضية، ولم أجد لها تفسيرًا يريحنى، وهى قضية ما ألمَّ بنا كمسلمين فى هذا العصر، ووصول الشطط ببعضنا إلى مداه.. وصل الشطط إلى حد استحلال الدماء بشبهات عارضة لا تقوم إلا فى ذهن أحدهم، فيتصور أن القتل العشوائى للبشر فى الشوارع هو الجهاد، تصور خاطئ عن الجهاد يدفع بأصحابه إلى القتال فى غير معركة.. بل الأكثر من ذلك شططًا هو قيام أحدهم بتفجير نفسه بعبوة ناسفة، وسط تجمع بشرى، لإسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، وحصد أرواحهم حصدًا، دون تمييز بين طفل وطفلة، بين شاب وشابة، بين رجل وامرأة، بين شيخ وشيخة، بين إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد.. وهو حين يفعل ذلك، يمتلئ ثقة، بتصور وهمى، جرى زراعته بداخله، بأن هذا هو الدين، وأن ما يأتيه من أفعال وأقوال وأعمال هو التدين الحق، وأنه هو ـ دون غيره ـ الطريق الأقصر إلى الجنة، وذلك النعيم المقيم الذى وُعد به المتقين، بصحبة الحور العين، فى جنات النعيم.


ولما كان مصدر هذا التصور واحدًا، ولم تزاحمه مصادر أخرى، بتصورات أخرى، فإنه يستقر فى الوجدان والقلب والعقل باعتباره الدين الحق.. وقد سعت الجماعة الأم ـ جماعة الإخوان ـ إلى خلق هذه التصورات، مع سد منافذ دخول أى تصورات أخرى مع أعضائها منذ البداية، من أيام مؤسسها الأول حسن البنا، حيث جرى اغتيال المستشار أحمد الخازندار، والنقراشى باشا، وحرق محلات اليهود فى مصر، مرورًا بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر، فيما يعرف بحادث المنشية سنة 1954م، وحادث الفنية العسكرية فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى، واغتيال الشيخ الذهبى، ثم اغتيال الرئيس الراحل السادات، واستمرار رفع السلاح فى مواجهة الدولة على مدار عشر سنوات، تبدأ فى أواخر الثمانينيات وتنتهى فى أواخر التسعينيات.. ومن هنا تجد أحدهم داخل الإطار المحدد له، لا يتخطاه إلى غيره بحال، وينطبق عليه قول العقاد حين قال: قد يكون المرء عبقريًا فى مجال تخصصه إلا أنه جاهل، مع أننا لم نعرف لهم عبقريًا.. هذا التدين المغشوش، يمكن تفسير علته على أكثر من صعيد، فقد يقول قائل إن العلة وراء هذا النوع من التدين هو حالة الفقر التى يعانى منها قطاع عريض من الشعب المصرى، ويرد على هذا القول بوجود أثرياء بين أعضاء الجماعة.


وقد يقول آخر بوجود العشوائيات وما تعانيه من أمراض اجتماعية، ويرد عليه بالقول إنه يوجد من بين أعضاء هذه التنظيمات من ولد ونشأ وتربى فى أحضان أحياء راقية.. وقد يقول ثالث بأن السبب هو محاولات التغريب التى يتعرض لها المجتمع المصرى على أيدى مفكرين متأثرين بالمجتمع الغربى، وأفكاره المنحلة أخلاقيًا، ويرد على هذا بالقول بأن من بين هذه العناصر من عاش فى الظروف والملابسات، التى يعيشها المجتمع الغربى.. وأنا أرى أن التطرف والإرهاب هو وليد أفكار فاسدة، تم تغذية العقول بها باعتبارها الدين الصحيح، وفسادها قد لايكون لذاتها بالضرورة، فهى قد تكون صالحة فى ذاتها، فاسدة لغيرها، والسر وراء فسادها هو توظيفها لأغراض أخرى بعيدة كل البعد عن الدين، فيصبح الدين مطية لهذه الأغراض الأخرى باعتباره وسيلة تصل بالإنسان إلى غايته.. فإن كان مصدر المعلومة الدينية واحدًا، وغلِّقت الأبواب على بقية المصادر، تسرب الفساد والهوى إلى الأفكار المقدمة باعتبارها الدين، دون فرصة للمناقشة، أو عرض الفكرة على العقل بقصد تمحيصها، وتقليبها على أوجهها المتعددة، لأنها عندهم حقيقة ذات وجه واحد، مع أن الحقيقة لها أكثر من وجه، وعندهم لا مجال للمقارنة فى ظل عدم وجود الأفكار الأخرى.. وقد حيل بين مجاميع هذه العقول وبين تلمس الطريق الصحيح، للتعرف على الدين دون وسطاء أغيار، ليس لهم عصمة تعصمهم من التدنيس، وتكسبهم القداسة، فتارة يحال بين الفكر المعروض، ومناقشته، بدعوى وجوب السمع والطاعة للأمير أو المرشد، وأنه لا يجوز بحال شق عصا الطاعة، ومفارقة الجماعة، لأن من شذَّ شذَّ فى النار. وتارة بدعوى قصور العقل البشرى، الذى قد يفضى أعمالَه إلى الشطط، والبعد عن الله، فجرى إقامة جدار عازل مفتعل بين العقل والدين، مع أن العقل من لزوميات الإيمان، لأن العقل هو مناط التكليف فى الشريعة الإسلامية، وتسقط التكليفات، ويسقط إثم تركها بسقوط العقل وزواله، إلا أن هناك من صوَّر لنا العقل باعتباره مناقضًا للدين، ومضادًا للشريعة، وافتعل قضية جدلية لا تنتهى فى العلاقة ما بين العقل والنقل، انتهت بالخصومة بينهما. فلا جرى إعمال العقل فى الواقع الحى المعاش كى يتم اللحاق بالركب الحضارى، ولا إعماله فى النقل حتى يتبين الحق والضلال فيما تم وراثته من تراث، كمن رقص على السلم. ومن هنا كان التخلف عن الركب الحضارى، والعجز عن فهم الدين على نحو صحيح على ضوء الظروف والملابسات الحاكمة للعصر.

وإقامة هذا التناقض والحفاظ عليه يستهدف فى النهاية التأسيس لسلطة زمنية باسم الدين يتولاها المتحدث الحصرى باسم الدين، الذى يغترف من معين هذا الإرث الثقيل من الكتب التراثية التى يقف رجال علم الدين، أو رجال الجماعة، منها موقف الحارس الأمين، ويضفون عليها من القداسة ما يحول بينها وبين إعادة النظر فيها، ويستمدون قداستهم من قداستها، وتدين لهم الرقاب بالولاء والطاعة.. ويظل المسلم مشدودًا إلى الخلف، ويعيش فى القرن الواحد والعشرين بعقلية الثلاثة قرون الأولى.. تلك هى أزمة العقل المسلم مع دينه ودنياه، فهل إلى حلها من سبيل؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة