ما إن انتهت مرحلة الجهاد فى أفغانستان بهزيمة الجيش السوفيتى، ودخول المجاهدين إلى كابول، والسيطرة على زمام الأمور فيها، حتى بدأت علامات استفهام تحوم حول مصير المجاهدين، الذين قدموا من بلدان شتى إلى أفغانستان، خاصة أنهم كانوا مدربين عسكريا على أفضل مستوى، بما جعلهم، فى ظل تحالفهم مع قادة الجهاد الأفغان، جزءا من المعادلة السياسية فى البلاد، لاسيما وأن أعدادهم لم تكن بالقليلة، حيث تشير معلومات الكونجرس الأمريكى إلى أن عدد «الأفغان العرب» بلغ فى بداية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم ثلاثة آلاف وخمسمائة فرد فى صفوف «حزب إسلامى» الذى يقوده قلب الدين حكمتيار، ارتفع فى منتصف العقد المذكور إلى ستة عشر ألف فرد. وإذا أضفنا إلى هذا من تم تجنيدهم فى صفوف الأحزاب الأفغانية الأخرى، نجد أن العدد لم يكن هينا.
وقد لا يكون معروفا على وجه الدقة عدد «الأفغان العرب»، أو نسبة توزيعهم على مختلف الجنسيات، «لكن من المقطوع به أن نسبة كبيرة منهم من المصريين، وأن عددا من قادة التطرف فى مصر كانوا من زعماء المجاهدين والمسؤولين عن استقبالهم فى أفغانستان وتدريبهم وإيوائهم ودفعهم إلى القتال». وقد ذكرت مصادر صحفية أن عدد المصريين الذين مارسوا «الجهاد» فى أفغانستان بلغ ستمائة فرد، عاد منهم إلى البلاد مائة وخمسون فردا، تمكنت قوات الأمن من القبض على أكثر من سبعين منهم. لكن يبدو هذا الرقم ضئيلا فى ضوء أكثر من اعتبار، أولها قدم ارتباط المصريين بحركة الجهاد وتعدد أسبابه، وثانيها عدد المنتمين إلى الجماعات الإسلامية الراديكالية فى مصر، وثالثها الدور البارز للمصريين فى حركة الجهاد الأفغانى أولا وفى نشاط «تنظيم القاعدة» فيما بعد. وعموما فقد أجملت إحصائية لوزارة الداخلية المصرية عدد هؤلاء بألف فرد، ينتشرون فى اثنتى عشرة دولة أجنبية بينها ثمانى دول أوروبية. لكن يبدو أن هذه الإحصائية تتحدث عن أولئك الذين بقوا خارج مصر بعد تحرير أفغانستان عام 1992، حيث عاد كثير من «الأفغان العرب» إلى بلادهم إثر انقضاء مهمتهم بخروج السوفيت، وبقى هناك من كانوا مطلوبين فى بلادهم، بعد أن وجهت إليهم تهما بارتكاب جرائم.
وبغض النظر عن دقة الأرقام فإن انتقال «الإسلاميين» المصريين إلى الساحة الأفغانية بدأ يؤسس لـ«عسكرة السلوك الإسلامى»، الأمر الذى انعكس على ما شهده عقد التسعينيات كما سبق الذكر، «فقد انتقل الشباب إلى أفغانستان برؤاه وأفكاره وانتماءاته.. وبدت الجماعة الإسلامية والجهاد كفرسى رهان كل منهما يريد أن يسبق الآخر.. واتسقت ساحة العمل فبدت أفغانستان وكأنها جزء من التجهيز والإعداد للمواجهة المرتبة مع النظام السياسى المصرى». وبالطبع فإن انتهاء عهد الجهاد ضد السوفيت، وتغير الأوضاع السياسية فى أفغانستان فى مرحلة ما بعد التحرير، غير الكثير من تكتيكات هؤلاء الإسلاميين المصريين، وفرض عليهم أن يسلكوا طرقا، ربما لم يدر بخلدهم أبدا أن ينتهجوها حين توجهوا إلى أفغانستان فى ظل معمعة الجهاد.
فبعد انقضاء مرحلة الجهاد بات على الشباب المصريين الموجودين على أرض أفغانستان أن يبحثوا عن أماكن بديلة، بعد أن بدت القيادة الأفغانية الجديدة متبرمة من استمرار تواجد «الأفغان العرب» على الأراضى الأفغانية. فصبغة الله مجددى أول رئيس مؤقت لحكومة المجاهدين، كان يأخذ فى حسبانه القلق الذى راحت تبديه دول عربية وإسلامية من بقاء الأفغان العرب على أراضى أفغانستان، فى حين أدى اندلاع القتال بين فصائل المجاهدين فى إطار الصراع على السلطة، إلى تأزم وضع «الأفغان العرب» الذين لزموا الحياد، ولم ينحازوا إلى أى طرف، لخوفهم من أن يصبحوا فى النهاية «قربان» هذه الحرب، وازداد الوضع سوءا بعد أن شرعت باكستان فى تسليم بعض المطلوبين إلى الحكومات العربية، وقد تسلمت مصر فى تلك الآونة محمد عبدالرحيم الشرقاوى الذى أسس أول خلية سرية لتنظيم الجهاد مع الظواهرى عام 1968.
وكانت هذه أسباب كفيلة بأن يسيح «الأفغان المصريون» فى الأرض بحثا عن مكان آمن، وبالنسبة للتابعين منهم لـ«الجماعة الإسلامية» فقد انتقل مصطفى حمزة إلى السودان، وحصل طلعت فؤاد قاسم على حق اللجوء السياسى فى الدنمارك عام 1993 مع سبعة آخرين من أفراد الجماعة، بينما تمكن طلعت ياسين همام من التسلل إلى داخل مصر، ومكث محمد شوقى الإسلامبولى عاما فى مدينة جلال أباد تحت حماية قلب الدين حكمتيار، انتقل بعدها إلى جهة غير معلومة، توقع كثيرون، فيما بعد أنها إيران. وكان أمير الجماعة عمر عبدالرحمن قد سبق الجميع، فحصل على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى يوليو عام 1990 وأقام بنيويورك، وجمع حوله مئات الأتباع من الجالية الإسلامية فى الولايات المتحدة برمتها. أما بالنسبة للعناصر القيادية فى تنظيم «الجهاد» فقد تردد أن أيمن الظواهرى قد حصل على حق اللجوء السياسى فى سويسرا نهاية عام 1993، وحصل ياسر توفيق السرى على حق اللجوء السياسى فى بريطانيا، هو ومجموعة أخرى من التنظيم، أبرزهم عادل عبدالمجيد وثروت صلاح شحاتة، وأنشأوا هناك ما يسمى «المرصد الإعلامى الإسلامى»، فى حين أنشأ هناك أيضا هانى السباعى ما يسمى بـ«مركز المقريزى للدراسات التاريخية»، ويوجد فى بريطانيا أيضا أبوحمزة المصرى، رئيس «جمعية أنصار الشريعة» وإمام مسجد «فنسبرى بارك» فى لندن، واسمه مصطفى كامل ولد فى الإسكندرية سنة 1959 ثم جاء إلى إنجلترا سنة 1979 ودرس الهندسة فى جامعة برايتون، وسافر إلى أفغانستان وعاد منها عام 1994، بالإضافة إلى ذلك حصل أسامة أيوب، أحد المتهمين فى محاولة اغتيال الرئيس مبارك وفى مذبحة الأقصر، على حق اللجوء السياسى إلى ألمانيا، فى حين تمكن أسامة رشدى، الذى يعد أحد أبرز كوادر «الجماعة الإسلامية»، من الحصول على حق اللجوء السياسى فى هولندا.
وهاجر عدد من «الأفغان المصريين» إلى طاجيكستان، لينضموا إلى الحركة الإسلامية الراديكالية هناك، التى كانت تدخل فى حرب أهلية ضد حكومة الرئيس إمام على رحمانوف، الموالى لروسيا وصاحب الميول الشيوعية، وتمكن آخرون من الانتقال إلى البوسنة والهرسك لمشاركة المسلمين قتالهم ضد الصرب. وبعد انتهاء الحرب البوسنية، انتقل البعض إلى الشيشان، ليشاركوا «الحركة الإسلامية» هناك قتالها ضد الجيش الروسى، وتوزع آخرون على دول أوروبية شتى منها ألبانيا وإيطاليا وبولندا ورومانيا وإسبانيا واليونان وهولندا.
وعلاوة على «المرصد الإعلامى الإسلامى» وإعادة إصدار الصحف التى تعبر عن «الجماعة الإسلامية» و«تنظيم الجهاد» مثل «المرابطون» و«المجاهدون»، فقد «أدى التواجد الملحوظ للعناصر الإسلامية المصرية وغيرها من الجنسيات الأخرى فى البلدان الأوروبية إلى ظهور عديد من الأسماء لجماعات ومنظمات إسلامية جديدة فى أوروبا مثل «منظمة العدالة العالمية» و«رابطة العاملين بالقرآن والسنة». وجميعها كانت تصدر بياناتها من جهات غير معروفة، الأمر الذى أدى بكثير من المحللين المتخصصين إلى ترجيح أنها أسماء لمجموعات عمل مختلفة تابعة لإحدى الجماعتين «الجهاد» أو «الجماعة الإسلامية». وقد كانت الجهات المصرية تتابع هذه التحركات عن كثب، الأمر الذى يستفاد من البيان الصادر عن وزارة الداخلية فى 29/3/1995، حيث قال «إن التدريبات العسكرية التى تجريها الجماعات الإرهابية امتدت إلى الصومال وبوروندى واليمن ويوغوسلافيا السابقة والبوسنة وكرواتيا، بعد أن كانت تجرى فى أفغانستان».
«ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى»
د. عمار على حسن
خرائط الدم والنار... طريق المتطرفين المصريين من «القاعدة» إلى «داعش» (6)
الخميس، 13 نوفمبر 2014 12:02 ص
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ما خطورة الجماعات الاسلاميه والجهاد على الامن القومى وهل هناك تعاون مستتر مع الاخوان او السلفيين
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
كيف نتعامل مع الاخوان والسلفيين فى الانتخابات القادمه علما بادراكنا التام ان كلاهما مرجعيته دينيه
هل نكرر نفس الخطأ القاتل
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ماذا تقترح للخروج بامان من هذه الكارثه المسماه الجماعات الاسلاميه وجماعات الجهاد
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
حزب النور يدعى انه حزب سياسى رغم اننا جميعا على يقين بان دمه ولحمه وشحمه حزب دينى
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هل توافقنى على ضرورة اسقاط حكومة هنيه وتخليص شعب غزه من عصابة حماس
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ما رأيك - بعض مناهج الازهر تحض على الطائفيه والجهاد وادخال الدين فى السياسه
لماذا لا نعالج الخلل فى كل امورنا
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ماهو الخلاف الحقيقى مع الشيعه وهل يستدعى القتال وسفك الدماء بين المسلمين