منذ اشتعال الأزمة الأوكرانية وروسيا ورئيسها بوتين يتعرضان لحملة إعلامية هجومية غربية شرسة، يديرها اليمين المحافظ المعادى لروسيا، وتستخدم فيها كافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، محاولا تصوير روسيا على أنها دولة مستبدة تسعى لفرض نفوذها وهيمنتها على جيرانها، وتعرض هذه الحملة استعادة روسيا شبه جزيرة القرم على أنه احتلال روسى لأراضى أوكرانية، وتضغط واشنطن على الدول الأوروبية لفرض العقوبات تلو العقوبات على روسيا، وتوافق بعض الحكومات وترفض الأخرى، ويضع الرئيس أوباما روسيا فى الترتيب الثانى ضمن مصادر تهديد السلم والأمن الدولى، بعد وباء إيبولا، وقبل المنظمات الإرهابية كداعش والقاعدة وغيرها، ويتحدث وزير الدفاع الأمريكى تشاك هاغل فى المؤتمر السنوى للجيش الأمريكى حول «ضرورة إعداد الجيش الأمريكى للتعامل مع الجيش الروسى» واصفا روسيا بالعدو العسكرى.
ورغم استمرار هذه الحملة الشرسة تزداد روسيا قوة وصعودا وتصميما، ويزداد رئيسها بوتين شعبية فى روسيا وخارجها، بل حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وها هى مجلة "فوربس" الأمريكية فى تقييمها السنوى الذى أعلنت نتيجته منذ أيام تختار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الشخصية الأقوى تأثيرا فى العالم لعام 2014، وجاء الرئيس أوباما فى الترتيب الثانى، وهى المرة الثانية على التوالى التى يأتى فيها أوباما وصيفا لبوتين، حيث كانت نفس النتيجة فى العام الماضى، وتعرضت المجلة فى العام الماضى لبعض الانتقادات من داخل أمريكا بسبب اختيارها بوتين، وذلك ما سبق أن حدث مع مجلة "تايم" الأميركية أيضا عندما اختارت بوتين شخصية العام 2007، وهو ما حدث أيضا مع صحيفة "تايمز" البريطانية العام الماضى عندما اختارت بوتين شخصية العام 2013، لكن الهجوم على مجلة "فوربس" بعد التقييم الأخير من قبل وسائل الإعلام الأميركية، وخاصة التابعة لليمين المحافظ فى واشنطن، كان حادا ومبالغا فيه، لدرجة اتهامهم للمجلة بفقدان الانتماء الوطنى، رغم أن الاختيار للشخصيات يتم عبر تصويت بين عدد كبير من الخبراء والإعلاميين الدوليين من داخل الولايات المتحدة وخارجها.
الهجوم الحاد على مجلة "فوربس" ليس دفاعا عن الرئيس الأمريكى أوباما الذى يعلم الجميع أنه لا يستحق حتى المركز الثانى الذى ناله، وهذا ما قاله خبراء فوربس، أن أوباما حصل على المركز الثانى ليس لشخصه، ولكن لأنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ولو كان لشخصه لربما لم يجد مكانا فى قائمة "فوربس"، وإعلام اليمين المحافظ الأميركى على يقين وقناعة بذلك، لكن الهجوم على "فوربس" سببه هو أن إعلام اليمين المحافظ الأميركى صاحب الانتشار والنفوذ على الساحة الأمريكية وخارجها أيضا، يتبنى حملة هجومية عالمية شرسة على الرئيس بوتين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية واسترداد روسيا لشبه جزيرة القرم، ويصور هذا الإعلام بوتين على أنه ديكتاتور مستبد يعتدى على الدول المجاورة الضعيفة ويسلب أراضيها، ويأتى تقييم "فوربس" ليضيع جهود هذه الحملة وما أنفقته من ملايين لتشويه صورة بوتين وسمعة روسيا.
فى العام الماضى لم ترد "فوربس" على الانتقادات التى وجهت لها بسبب اختيارها بوتين، لكن هذا العام قررت المجلة أن ترد وبقوة، فقالت إن أهم أسباب اختيار بوتين هو قراره "استرداد" القرم، ولم تقل المجلة فى تقييمها ولا دفاعها أن بوتين "استولى" على القرم، بل قالت "استرداد"، وهذا ربما هو الذى أشعل ثورة اليمين المحافظ الأميركى على المجلة وتقييمها، لأنه إقرار بأحقية روسيا فى القرم، كما قالت المجلة أن بوتين رجل واثق من نفسه ومن قراراته ولا يحيد عنها ولا يتراجع ولا يعير اهتماما لأية ضغوط خارجية، وأنه يحوز ثقة شعبه بجدارة، وأن شعبيته زادت هذا العام بنسبة 30% عن يوم انتخابه رئيسا منذ عامين.
تقييمات كبرى الصحف والمجلات الغربية التى تضع بوتين على القمة بالقطع ليست مجاملة لبوتين ولا لروسيا، لكنها تحترم القارئ ولا تحيد عن الواقع والحقائق، وفى نفس الوقت تؤكد شرعية ومصداقية مواقف روسيا، وزيف وكذب الادعاءات الغربية ضدها، كما تدل هذه التقييمات على مؤشرات جديدة فى موازين القوى الدولية، وأفول نجم القطب الأوحد الأمريكى.