فأنا لا أحكى إلا لسببين: السبب الأول لا أعرفه جيدا ولست متأكدا منه، أما السبب الثانى فهو المتعة الشخصية التى أتحصل عليها أنا شخصيا أثناء وبعد انتهاء الحكاية، ولا أدرى هل وفِّقت فى ذلك أم أن «شخص آخر» قد فرض سيطرته على فى أحيان كثيرة؟ مع أن «شخص آخر» لم يكن قد ظهر فى حياتى أثناء تلك الأحداث التى سوف أحكى عنها هنا، لكن كل ما أستطيع أن أقوله إن «شخص آخر» مسؤول مسؤولية كاملة معى فى كل ما سوف يحدث هنا، وأعتقد أننى لن أفاجئ (أنا) أى أحد إذا قلت الحقيقة، وهى أنه يتملكنى إحساس بأن وجودى أنا نفسى متوقف كثيرا (على الأقل أثناء كتابتى لما تقرؤنه الآن) على وجود «شخص آخر» فى حياتى، وأنه لا يوجد شيطان قد لبسنى ولا يحزنون، وعندما لم يقتنع أبى بطريقة الدكتور «يحيى الرخاوى» فى تخليصى من الشيطان الذى لبسنى أو حتى «شخص آخر» كما يدعى، فقد عرضنى على طبيب آخر اسمه «عمر شاهين»، وقد أكد الدكتور «عمر شاهين» لأبى عدم وجود شيطان قد لبسنى، بل إنه أكد على وجود «شخص آخر» وزاد على ذلك أن حياتى متوقفة على وجود «شخص آخر» هذا ويتحتم على أن أتقبل وجوده حتى بدون أن أراه، لأنى أتقبل وجود الكهرباء التى تضىء المصباح فى غرفتى بدون أن أراها فى سلك الكهرباء؛ فوجود «شخص آخر» فى جسدى كوجود الكهرباء فى السلك، ومن لا يرى الكهرباء فى السلك لكنه يؤمن بوجودها لأنها تضىء المصباح المعلق فى السقف عليه أن يؤمن بوجود «شخص آخر» فى جسدى، لأنه موجود وربما يتحكم فى روحى فى أى وقت يريد، ولا أنكر أنى فكرت كثيرا بل وحاولت التخلص من «شخص آخر» حتى ولو بالقفز من فوق سطح بيتنا.
لكن بعد مقابلتى للدكتور «يحيى الرخاوى» فى المرة الثانية فقد قررت صرف النظر عن التخلص من «شخص آخر»، وكان هذا هو المكسب الوحيد الذى حصلت عليه من حصول الدكتور «الرخاوى» على أكثر من خمسين جنيه من نقود كان أبى قد اقترضها لعرضى عليه، مع أن كشف الدكتور «الرخاوى» كان بخمسة جنيهات فقط وتحديدا (سنة 1969)، وقد طمأننى الدكتور «عمر شاهين» بأنه سوف يحاول التحكم فى وجود «شخص آخر» فى جسدى بالكهرباء نفسها، حيث أخضعنى فى عيادته لعدة جلسات كهربية لمحاولة تحجيم وجود «شخص آخر» فى جسدى وتحجيم نسبة سيطرته على، وبالفعل ظهرت نتائج جلسات الكهرباء؛ فقد قلَّت محاولات «شخص آخر» للسيطرة على كل تصرفاتى فأصبحت نوبات محدودة، حيث أصبحت أعرف بداية النوبة، لأنه فى البداية يداهم جسدى كله، فأبدأ بالإحساس بثقل وهمدان فى جسدى وحالة من الوخم والزغللة فى عينى وتخدير فى قدمى، فأشعر عندما أسير على الأرض أن الأرض قد تحولت إلى كتلة ضخمة من الإسفنج تغوص فيها قدماى، مما يدفعنى لجذب قدمى بقوة ورفعهما أكثر من فوق الأرض الإسفنجية حتى أتمكن من السير دون أن أسقط، وهنا (فى بداية حدوث هذه النوبة) أتأكد من حلول «شخص آخر» فى جسدى كما تحل الكهرباء فى السلك؛ وهنا أتأكد من وجوده وأترك له نفسى تماما حتى تمر النوبة على خير، فيما يتملك هو أذنى ويبدأ فى الحديث معى فأبادله حديثا بحديث، فإذا احتد على احتديت عليه، وإذا حاول التلاعب بمشاعرى بكلمات ملتوية تخابثت عليه وأظهرت له أنى أصدقه، إلى أن حدث بيننا تلاحم كامل فأصبح «شخص آخر» هو «أنا» وأصبحت «أنا» هو «شخص آخر»، وللاعتراف بقية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة