زينب المهدى كما تعرفون أو كما سمعتم، فتاة نشأت فى حضن الإخوان ثم انشقت عنهم لاكتشافها زيف ممارساتهم، لكنها وبحكم التربية الفكرية لم تجد أقرب من حملة أبو الفتوح الرئاسية فانضمت إليها، وسرعان ما تركتها وخلعت الحجاب احتجاجا، ثم شاركت فى الأيام الأخيرة من اعتصام رابعة بدون الحجاب، وحاولت الرجوع إلى محيط صداقاتها الإخوانية لكنهم لفظوها وهاجموها، فلم تجد سبيلا للاحتجاج سوى منظمات المجتمع المدنى والنضال القانونى من أجل المحتجزين، إلا أن رسالتها الأخيرة المتداولة تكشف يأسها العميق من كل الجماعات والمنظمات.
تقول زينب فى رسالتها الدالة: «تعبت استهلكت مفيش فايدة، كلهم ولاد كلب واحنا بنفحت فى مية»، لماذا وصلت زينب إلى هذه المرحلة من اليأس؟ لماذا فضلت الانتحار على مراجعة أفكارها مثلا؟ لماذا لم تدرك طبيعة المعركة الفكرية والسياسية الراهنة وكذلك المعركة بين التنظيمات والدولة؟ ومن هم أولاد الكلب الذين فقدت زينب فيهم الأمل ؟ وبما كانت تحلم زينب ولماذا كفرت بأحلامها وتخلت عنها وفضلت الموت؟
الموضوع ليس مجرد أزمة نفسية شخصية كما يحب أن يبسطه البعض تبسيطا مخلا، وليست شباب مكتئب رفاهية يحتاج إلى تدخل سريع لإنقاذه، بحسب وصف البعض الآخر، لكنها أحلام جيل كبير أو بمعنى أدق ثلاثة أجيال متتابعة نشأت فى فراغ فكرى وسياسى وثقافى دون أن تجد حاضنة متماسكة من أحزاب أو مؤسسات أو وسائط ثقافية تأخذ عنها وتتجادل وتتصارع معها، وتكشف من خلال هذا الجدل والصراع عن شخصياتها النامية، لتتسلم تدريجيا شارة القيادة فى السياسة والثقافة والوجود المهنى فى المجتمع.
ثلاثة أجيال ضائعة، تماما مثل أطفال الشوارع، أو بمعنى أدق ثلاثة أجيال مخدوعة، كان أمامها ما يشبه العمل السياسى، سواء كان فى العلن مثل الأحزاب الورقية أو فى السر مثل التنظيمات والجماعات الدينية المتطرفة، وهذا الوسيط السياسى كان أبرز ما يتسم به هو الفساد والاستبداد، ومن سار معهم فى الشوط إلى آخره هم الانتهازيون اللصوص والمختلون من ضعاف العقول والمنحرفون الذين تحولوا إلى قنابل موقوتة أو خونة بالإيجار، أما المخلصون لأنفسهم أولا ولأفكارهم مثل زينب المهدى، فلم يجدوا إلا الانسحاب والتوارى أو الانتحار.