فى عصر المعلومات لا توجد معلومات، وإنما أخبار تلاحق بعضها، وتقتل بعضها، ويظن البعض أنهم يعرفون، بينما لا يتجاوزون عناوين. لا يوجد حدث يستغرق أكثر من يوم، وتطغى الأخبار الصغيرة عن الأحداث العظيمة، مع كثير من المبالغة التى سرعان ما تنتهى كما بدأت.
من كان يتوقع ما جرى مع رواية 1984 للروائى البريطانى الشهير جورج أوريل، وتحولت إلى موضوع للنقاش والجدل ليومين. جورج أوريل كان اشتراكيا ديمقراطيا وانتقد غياب العدالة الاجتماعية وعارض الحكم الشمولى واعتبره مقبرة للاشتراكية. أصدر رواية 1984 عام 1949، بعد «مزرعة الحيوان»، وكلا الروايتين وزعتا عشرات الملايين من النسخ وترجمت إلى كل اللغات أو ابتكر شخصية «الأخ الأكبر» وشرطة الفكر التى تبحث فى النوايا. وكان ينتقد حكم ستالين فى الاتحاد السوفيتى، وإن كان الوضع اليوم يبدو أكبر لكون حكومات وأجهزة العالم تتجسس على الناس.والولايات المتحدة وليس روسيا هى من تراقب البشر والرؤساء.
المهم عاد أوريل وروايته للأحداث لأن شرطيا ألقى القبض على متهم وذكر أن من بين الأحراز رواية 1984، وتحولت الرواية إلى خبر، والأكثر بحثا فى جوجل، وكثيرون كشفوا أنهم لم يقرأوها. وبدا الموضوع خطأ شرطى لا يعرف شيئا لا عن الكاتب ولا الكتاب وليس لدى السلطة اليوم أو أمس أى شىء تجاهها. ربما يراه البعض خطأ لأحد الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم مع أنها لا تتناوله، أو أن الإعلام الذى يصنع من «الحبة قبة».
خطأ آخر لثعلب صغير ما جرى مع الكاتب الفرنسى الشهير ومدير تحرير لوموند «آلان جريش» الذى كان فى مهمة بالقاهرة وتصادف أن جلس مع مصريين يتحدثون حول ما يجرى بالبلاد، والتقطت إحدى الجالسات الحديث واتهمتهم بأنهم «خربوا البلد» وانتهى الأمر باستدعاء جريش لتحقيق سريع، انتهى وخرج الكاتب، لكن تصرف الثعلب الصغير أدى لمشكلة تتعلق بصورتنا أمام العالم، جريش نفسه كباحث ومحلل، قال عن أجواء ما يجرى فى مصر تشبه أمريكا بعد 11 سبتمبر عندما كان الخوف يسيطر. وهو أمر حقيقى لأن هناك إرهابا ومخاوف وجدلا.
أما الأمر الثالث الذى يثبت النظرية، أنه لا تعمد والإعلام ليس لديه خطط غير النشر وتسلية الناس، فهو لوم وجهه الدكتور عصام حجى الباحث المصرى فى مؤسسة أبحاث الفضاء الأمريكية ناسا، والمستشار العلمى السابق لرئيس الجمهورية، الذى انتقد اهتمام الإعلام بأخبار قضية «العنتيل»، وأهمل مشاركة بعض العلماء المصريين فى نزول الإنسان الآلى «فيلة» بنجاح على سطح مذنب لأول مرة، ضمن المهمة الفضائية «روزتا». حجى بدا حزينا وقال على فيس بوك من تجاهل حدث تاريخى شغل العالم وفيه مصريون، بينما تتصدر أخبار العنتيل والفضائح والسباب الفضائيات ووسائل الإعلام. وربما كان الدكتور حجى له بعض الحق، لكنه لا يدرك أن الإعلام يلتهم الأخبار وينساها بنفس السرعة. وأن الفضائح والنجوم يحتلون الصدارة فى الأخبار أكثر من أخبار العلم والعلماء، ثم إن الدكتور عصام حجى تم تقديمه وتلميعه من نفس الإعلام الذى ينتقده اليوم، وهو ممن يحبون الإعلام والظهور الإعلامى ويبدو أحيانا مهتما بالظهور أكثر من اهتمامه بالبحث. لكنه زمن التواصل الواسع والانفجار المعلوماتى. الذى يأكل نفسه، وبعضه وأشخاصه وأحداثه.