حين نشاهد شريط الفيديو الذى بثته «أنصار بيت المقدس» عن عملياتها الإرهابية فى سيناء، سيكون رد فعلنا الفورى أنه، لا بديل عن مواجهة شاملة للإرهاب، ولا بديل عن تدعيم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية فى الحرب التى تخوضها ضد هؤلاء الذين يسعون إلى تحويل مصر إلى إمارة «داعشية».
وحين تصل المسألة إلى حرب بحرية كما حدث من هجوم على لنش القوات البحرية شمال دمياط فجر يوم الأربعاء الماضى، فهذا يعنى أن هناك تطورا نوعيا فى العمليات الإرهابية، يقابله يقظة كاملة لقواتنا المسلحة والتى أدت إلى إفشال هذا المخطط والقبض على عناصر مشاركة فيه.
فى «غزوة الشريط»، يستوقفنا فى تفاصيله وضع العمليات الإرهابية تحت غطاء دينى، فصوت الشيخ محمود الحصرى يرتل بصوته العذب آيات من القرآن الكريم، ونسمع أناشيد دينية، ومقتطفات مكتوبة لآيات من القرآن الكريم، ومقتطفات أخرى من كتابات لشيوخ، وكل ذلك يتم توظيفه لإعطاء مشروعية دينية لما يفعلوه من إرهاب.
طريقة تنفيذ العمليات وكما يأتى فى الشريط هى فى حد ذاتها ضد الإنسانية، وضد أى شريعة دينية، وضد تعاليم إسلامنا الحنيف بكل سماحته ودعوته إلى سمو النفس الإنسانية، وحين يرى أى إنسان بعينيه عمليات القتل البشعة التى ينفذها هؤلاء الإرهابيون لا يمكن أن يقر بأى حال من الأحوال أنها نتيجة فتوى دينية سليمة يقولها إنسان عاقل، ويتمتع بقوام نفسى صحيح، وعلى دراية سليمة بما يدعو إليه ديننا الإسلامى.
استخدم مصطلح «غزوة الشريط»، لأن مقاصده متعددة فى خبثها، فالذين أقدموا على صناعته بكل هذه التقنية يقصدون بث الرعب فى الذين تتاح لهم فرصة مشاهدته، ويقصدون فى نفس الوقت تصدير حالة تفيد بأنهم مازالوا متواجدين رغم كل الضربات الأمنية الموجعة ضدهم، ويقصدون التأكيد على أنهم يصولون ويجولون براحتهم، وأن هناك أرضا تحت سيطرتهم، وأن فى حوزتهم معدات وأسلحة يستطيعون المواجهة بها كيفما شاءوا، ويقصدون القول بأنهم يستطيعون مخاطبة المجتمعات إعلاميا.
هم لا يستهدفون الداخل وفقط، وإنما يتوجهون أيضا إلى الخارج، ففى الوقت الذى يريدون فيه القول للدوائر الدولية والإقليمية: «نحن هنا»، تقوم هذه الدوائر بتوظيف الأمر لصالحها، حيث تصدر صورة الإسلام على هذا النحو لمجتمعاتها بما يبرر لهم التدخل فى شؤوننا كيفما شاءوا، ويخلق فى نفس الوقت تبريرا داخليا من مجتمعاتنا للتدخل الخارجى باسم الحرب على الإرهاب، يحدث هذا الآن وفى ملامحه الأولية يتأكد أن هؤلاء يرتبطون بأجهزة أمنية دولية توظفهم كيفما شاءوا، فلا يعقل أن تمتلك «داعش» كل هذا العتاد وكل هذا السلاح دون مساعدة وإمداد من أطراف إقليمية ودولية لها أهداف حقيقة فى المنطقة وتعمل من أجل تحقيقها.
«غزوة الشريط» تنبهنا إلى واقعنا، تنبهنا إلى داخلنا، تنبهنا إلى أنه من أخطائنا تكبر «داعش» وما يشابهها، تنبهنا إلى أن التنظيمات التكفيرية تجد أرضها الخصبة فى الدولة الضعيفة الممزقة، والدولة القوية تستمد قوتها من سياستها واقتصادها وجيشها ومجتمعها وسلامة هياكلها، تنبهنا إلى أن الإرهاب يتربى فى حضن الفساد، وأن الديمقراطية الصحيحة والمسؤولة هى التى تضمن عافية المجتمع واستمرار حيوية نبضه، ومع كل هذا تنبهنا إلى دور جيشنا العظيم فى الحفاظ على أمننا القومى.