المتابع للمشهد السياسى المصرى هذه الأيام سيعتريه العجب، لأن نجوم المشهد رجال على حافة الثمانين من عمرهم - متعهم الله بالصحة والعافية - بينما الشباب الذين فجروا ثورتين عظيمتين اختفوا من الصورة أو كادوا! تتواتر الأخبار فى الصحف اليومية وفى المواقع الإلكترونية عن نشاط سياسى حميم، يبديه الدكتور كمال الجنزورى رئيس وزراء مصر لأكثر من مرة.. فى زمن مبارك فى القرن الماضى، وعهد المجلس العسكرى فى القرن الحالى، وبالمناسبة هو من مواليد عام 1934، ويشاركه هذا النشاط السيد عمر موسى وزير خارجية مصر فى القرن الماضى، وأمين عام الجامعة العربية فى القرن الحالى، وقد ولد فى سنة 1936.
إن كل واحد منهما يطمح - وهو طموح مشروع - إلى دخول البرلمان المقبل، لأن الحلم الأكبر أن يتولى رئاسة هذا البرلمان، وهو منصب لو تعلمون عظيم، لكن السؤال.. لماذا يحقق الرجلان اللذان بلغا من العمر عتيا هذا النجاح فى التواجد والحضور والتنسيق وجمع المؤيدين؟ وكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة.. رجل فى الثمانين يجد الاستجابة والدعم، بالرغم من أنه كان فى السلطة بشكل أو آخر طوال ثلاثة عقود سود حكمنا فيها مبارك؟ لا تفسير سوى أن مصر محرومة من وجود حياة حزبية متينة وقوية ومتغلغلة فى الشارع، وبالتالى هناك فراغ حزبى فادح وفاضح، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ ولا تحتمله، إذ يجب أن يملأه أحد، هكذا إذن تقدم «الكبار» ليملأوا فراغ السياسة!
ماذا نتعلم من هذه المأساة؟ أجل مأساة.. ألا يكون لدينا أحزاب سياسية عفية تعبر عن مصالح الطبقات المختلفة.. نتعلم أننا فرطنا فى حقوقنا الاجتماعية والسياسية، وأن نظام مبارك لعب الدور الرئيس فى تدمير العمل السياسى، وتقويض الحياة الحزبية التى كانت هشة فى الأساس.. نتعلم أننا بأمس الحاجة إلى إحياء فضيلة العمل الحزبى الدؤوب والمثابر.. نتعلم أن الشباب حين ثار وانتفض دون ظهير حزبى قوى يدعمه، ويعززه خسر المعركة، وضاعت أحلامه، وألقى نفسه فى أحضان الإحباط! لا أمل لنهضة هذا البلد إلا إذا اقتحم الشباب قلعة العمل السياسى المنظم.