لدينا خطاب جامد وتقليدى لا يؤمن بالتطور وتعاقب الأجيال، خطاب سلفى، يقوم على فكرة أن التاريخ لا يتقدم وإنما يتراجع، وأن جيل الآباء والأجداد أفضل من الأجيال الشابة، وأن كل المهن والفنون كانت مزدهرة فى الماضى ثم تراجعت، وفى طريقها للانهيار.
ليس مصادفة أن يسود هذا الخطاب وينتشر بين كبار السن فى مختلف المجالات، الذين يدّعون أن مصر جُرّفت وصارت خالية من الكفاءات، فلا توجد قيادات شابة أو متوسطة العمر يمكن الاعتماد عليها، بل لا توجد أصوات غنائية أو ملحنين أو حتى لاعبى كرة قدم «زى بتوع زمان»!!. وبالتالى لا بديل سوى الاعتماد على أهل الخبرة والعلم والمعرفة، حتى وإن تجاوزوا السبعين من العمر، لذلك أقول إننا إزاء خطاب تبريرى بامتياز، يحاول أصحابه تضخيم أدوارهم، وتفسير احتكارهم لمراكز السلطة والقوة فى المجتمع، وفشلهم فى الوقت نفسه فى التقدم بالوطن واستعادة دوره ومكانته.
يدّعى أصحاب خطاب فساد الزمان والشباب أن تعليم وخبرة الشيوخ كانت أفضل، وأن مصر تكاد تخلو من القامات الكبرى نتيجة انهيار التعليم والقيم إلى آخر تلك الأسباب التى يروج لها هذا الخطاب البائس والعاجز، والذى يدين أصحابه، لماذا؟، لأن كبار السن والشيوخ كانوا فى مواقع المسؤولية عن التعليم والصحة، ويتحملون كامل المسؤولية عن تراجع مكانة مصر، وعن عدم فرز واختيار عناصر شبابية قادرة على القيادة، وأعتقد أن هذا التقصير مقصود ومتعمد، لأن النظم البيروقراطية فى كل مجالات حياتنا تسمح لكبار السن فى المراكز القيادية بتهميش الشباب ودفعهم للهجرة إما للخارج أو للبحث عن خلاص أو مهرب فى شكل من أشكال التدين المتطرف أو الأنامالية المتطرفة أيضاً. والمدهش أن أصحاب خطاب فساد الزمان والشباب يتناسون أن آباءهم وأساتذتهم كانوا يسخرون من أزيائهم وذائقتهم الفنية وأفكارهم وأحلامهم، ما يعنى أن صراع الأجيال حقيقة ثابتة، وأن لكل جيل معاييره وأحلامه، ولنتذكر السخرية من غناء عبدالحليم حافظ وشعر صلاح عبدالصبور وفؤاد حداد وصلاح جاهين، ثم لنستحضر أيضاً رفض ومقاومة أجيال شبابية لكل هذه النماذج وبحثها عن جديد.
إذن من غير المنطقى أن نحكم على الجيل الجديد بمعايير جيل سابق أو أجيال سابقة، فلكل جيل أفكاره وأحلامه، ولو كان صحيحاً أن الأجيال السابقة أفضل لما تطورت البشرية، ولما حافظت الأجيال المتعاقبة على وتيرة هذا التطور، وذلك بالرغم من تفاوت عطاء كل جيل، وأن كل جيل ليس شيئاً واحداً، وإنما توجد بداخله اختلافات وتناقضات عديدة.
المهم أننا لابد أن نحترم تجربة الشباب، بما فى ذلك قيادته لثورة 25 يناير، ولابد أن نمنح الشباب الفرصة فى العمل والقيادة بدلاً من إنكار حقوقه المشروعة والمنطقية فى قيادة الوطن، وفرض وصاية أبوية عليها والتشكيك فى قدرته، ومن يقول إن مصر خالية من الكفاءات عليه أن ينظر إلى آلاف المصريين الذين يتولون مراكز علمية وقيادية مرموقة، ومئات الألوف من الشباب فى الداخل الذين تعلموا بشكل جيد، وجرى تهميشهم بطريقة ممنهجة سواء قبل ثورة يناير أو بعدها، ولم تمنح لهم فرص للعمل أو القيادة كما منحت لجيل الشيوخ.
وتكفى الإشارة هنا إلى حالة عصام حجى «34 سنة» والذى رفضت جامعته تمديد إجازته، وهو يعمل فى ناسا، ثم عين مستشاراً علمياً لرئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور، لكن جرى تهميشه لأنه انتقد بشكل علمى علاج الإيدز بالكفتة؟ ومنذ أيام ظهر اسم عصام ومعه أربعة مصريين «أصغرهم 28 سنة» ضمن فريق عمل لكشف علمى هو الأهم فى تاريخ الفضاء.