العنوان ليس خطأ ولتوضيحه يجب أن نجيب على السؤال، هل حقا التلاهف حول تمثيل الأقباط فى القوائم الحزبية المختلفة من أجل أن يمثل قطاع مجتمعى هو الثانى من حيث العدد؟ أم لمجرد ملء فراغ لابد منه فى القوائم لإكسابها المشروعية القانونية للتصويت عليها؟ والأخطر هل كان يعى «الخمسينيون الدستوريون» أنه يجب مراعاة المصالح الوطنية العامة والمصالح الخاصة أثناء تقديم تلك المواد؟ وهل أدرك صانعو القانون بعد ذلك التوازن بين ما هو دستورى وما هو قانونى فى سياق المصلحة الوطنية؟
من الدستور للقانون يا قلبى لا تحزن!
ربما نجد جزءا من الإجابة فى الإطار الدستورى والقانونى المنظم للانتخابات البرلمانية القادمة، حيث جاء الدستور المصرى الصادر فى 18 يناير 2014، فى مادته 244 بنص من شأنه فى حال تفعيله أن يزيل الكثير من عقبات المصالحة الوطنية التى يرجوها الجميع ويشملها أيضا الدستور المصرى الجديد، ونصت المادة 244 على: «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج، تمثيلاً ملائماً فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون».
وجاء قانون انتخاب مجلس النواب الصادر فى يونيو الماضى ليترجم النص الدستورى للمادة 244، فينص القانون فى مادته الخامسة على أنه يجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية عددا من المترشحين يساوى العدد المطلوب انتخابه فى الدائرة، وعددا من الاحتياطيين مساويا له، وفى أول انتخابات لمجلس النواب تجرى بعد العمل بهذا القانون يتعين أن تتضمن كل قائمة مخصص لها عدد 15 مقعدا الأعداد والصفات الآتية على الأقل: ثلاثة مترشحين من المسيحيين، مترشحين اثنين من العمال والفلاحين، مترشحين اثنين من الشباب، مترشح من الأشخاص ذوى الإعاقة ومترشحا من المصريين المقيمين فى الخارج، على أن يكون من بين أصحاب هذه الصفات أو من غيرهم سبع نساء على الأقل، ويتعين أن تتضمن كل قائمة مخصص لها عدد 45 الأعداد والصفات الآتية على الأقل: تسعة مترشحين من المسيحيين، ستة مترشحين من العمال والفلاحين، ستة مترشحين من الشباب، ثلاثة مترشحين من الأشخاص ذوى الإعاقة، وثلاثة مترشحين من المصريين المقيمين فى الخارج على أن يكون من بين أصحاب هذه الصفات أو من غيرهم واحد وعشرون من النساء على الأقل، وفى جميع الأحوال يجب أن يتوافر فى المرشحين الاحتياطيين ذات الأعداد والصفات المشار إليها، ولا تقبل القائمة غير المستوفاة أيا من الشروط والأحكام المشار إليها فى هذه المادة. ويجوز أن تتضمن القائمة الواحدة مترشحين أكثر من حزب، كما يجوز أن تشكل القائمة من مترشحين مستقلين غير منتمين لأحزاب أو أن تجمع بينهم، وفى جميع الأحوال يتعين إظهار اسم الحزب أو كون المترشح مستقلا ضمن القائمة الواحدة فى أوراق الترشح»، «قوائم أقرب للعب البوكر».
هذه حالة الوطن والأقباط فى ظل مادة «موسوية دستورية».. ينطبق عليها المثل الشعبى: «قعد يكحلها عماها» لماذا؟ لأن المادة بوعى أو بدون وعى لم تكرس التمييز الإيجابى «لأنها لدورة واحدة»، وجاء القانون «ليزيد الطينة بلة»، وفى ظل تفكك الأمة.. وانتهاء العمر الافتراضى لعوامل الاندماج القومى للدولة.. أصبح الدستور يكرس للفيدرالية والتقسيم «لا قدر الله الذى لم يعد لنا سواه، فى ظل نخب لا تعمل إلا لمصالحها الشخصية»، بمعنى تكريس ودسترة وشرعنة «الطائفية والقبلية والجهوية والفئوية السياسية»، إضافة للمواد التى تجعل سلطات رئيس الدولة أقل من سلطات رئيسى الحكومة والبرلمان، فيتحول الأمر إلى صراع بين رئيس الدولة والسلطتين التنفيذية والتشريعية، هكذا سيكون المشهد بعد انتهاء الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل، لذلك كنت ضد الأصوات القبطية التى نادت بـ«الكوتة» لأنهم كانوا لا يرون إلا مصالحهم الشخصية أو الطائفية.
والآن، وبغض الطرف عما للكوتة وما عليها، فالواقع الآن أننا سوف نشهد فى الانتخابات القادمة تمثيلا قبطيا بنص المادة الخامسة من قانون مجلس النواب بنسبة %20 فى القوائم الانتخابية، وهو ما أوجد التلاهف من الأحزاب والتحالفات المختلفة حول الأسماء القبطية اللامعة والعاملة فى الملف السياسى أو العمل العام، أو حتى لمجرد شهرتهم لضمهم إلى قوائمهم.
ومن المؤكد أنه لن يقل عدد الأعضاء الأقباط المنتخبين فى البرلمان القادم عن 24 عضوا، وإن اقتصر عدد الأقباط فى البرلمان على هذا الرقم فحسب فسوف نكون أمام ثانى أكبر عدد للأقباط تاريخيا بعد برلمان 1942، الذى وصل عدد الأقباط فيه إلى 27 عضوا منتخبا بنسبة %10 تقريبا، مع الفارق النسبى فى عدد البرلمانيين.
هنا تبرز المشكلة العملية وهى ترى من سوف يمثل الأقباط؟
حتى الآن أحزاب النظام القديم لديها مخزون من أعضاء الحزب الوطنى القديم، والإسلاميون لديهم شركاء قبط تحت الطلب، والكنيسة لديها وجهاؤها «المحتلون للصفوف الأولى فى الأعياد»، لم يلفت نظرى من الشباب سوى اسم الصحفى الشاب نادر شكرى، «والذى لا أضمن هل سيكون له نصيب فى القائمة أم لا؟» أما الشباب من ثوار 25، أو أبناء النخب القبطية الجديدة الذين نجحوا فى انتخابات نقابية أو حركات سياسية مثل: حنان فكرى عضو مجلس نقابة الصحفيين، ود. مينا مجدى منسق عام اتحاد ماسبيرو، ورشا إرنست نائب رئيس متحدى الإعاقة، والناشط السياسى شكرى أسمر، والباحثين بيشوى تمرى ومينا سمير وجورج فهمى، والصحفيين إسحق إبراهيم، ويوسف رامز، وريهام رمزى وغيرهم من الشباب تحت السن ولا يدرى بهم أحد، ثم يحدثونك عن تمثيل الشباب؟!!
نواب معلبون وتحت الطلب
وهنا تظهر الإشكالية الثلاثية للتمثيل الحقيقى للأقباط، فلا هم سوف يساعدون على تطبيق التمييز الإيجابى، ولا هم من النخب الشبابية القبطية الجديدة التى دفعت الدم والدموع، إضافة إلى أنه على الرغم من التقارب بين الرقمين فى برلمانى 1942، و2015 المنتظر، إلا أن حقيقة التمثيل ونوعيته شتان الفارق بينهما، فبرلمان 1942 كان الأعضاء الأقباط فيه منتخبون انتخابا حرا مباشرا بإرادة شعبية كاملة، بناء على برامج وتوجهات سياسية استطاع المرشحون آنذاك إقناع ناخبيهم بها، أما فى حالة البرلمان المنتظر فإننا سوف نكون أمام 24 مرشحا قبطيا منتخبين بأمر القانون «أو بالأمر المباشر»، وهذا ما يجعلهم أمام تحدٍ كبير أمام الشعب لإثبات أحقيتهم فى ذلك التمثيل، الذى ربما إن لم يكن على المستوى المطلوب أو يحقق الذى يرجوه الشعب منهم، ربما يضر ذلك فى المستقبل بفرص المرشحين الأقباط بشكل خاص، وبالتمثيل البرلمانى القبطى بشكل أساسى.
أما فيما يتعلق بالمرشحين أنفسهم، فمرشحو برلمان 1942 قد حصلوا على حق التمثيل التشريعى فى البرلمان نتيجة لما قدموه مسبقا من أعمال وطنية جليلة.
ما العمل؟
أولا: يجب على الأحزاب ذات التوجه «الحداثى» مثل المصريين الأحرار وحماة الوطن ولجنة التنسيق الانتخابى بقيادة المستشارة الفاضلة تهانى الجبالى، أن يراعوا ذلك فيما يقدمون من قوائم وطنية.
ثانيا: أتمنى على د. كمال الجنزورى ألا يغرقوه فى مستنقع الفلول الذى يعج بعفونة الماضى.
ثالثا: أن تبدأ القوى الحداثية: المصريين الأحرار، وحماة الوطن، والمستشارة تهانى الجبالى، فى الإعداد من الآن لعمل تشريعى حقيقى لتنقية الدستور الموسوى من المواد «عابرة الوطنية» التى سوف تزيد «الطينة بلة».