منذ سبعة عشر عاما، وتحديدا فى عام 1997 أقدمت زهرة الحركة الطلابية فى السبعينيات «أروى صالح» على الانتحار بإلقاء نفسها من الطابق العاشر، بعد مرورها بحالة اكتئاب حادة، وفقدانها اليقين فى كل الأحزاب والكيانات والأصدقاء الذين تعاملت معهم كانت أروى صالح، كما عرفتها عن قرب، نموذجا للثائر المثقف مرهف الحس، ذهن يقظ حاد، يستطيع بلورة أفكاره النقدية فى السياسة والثقافة بسهولة ويسر، وقدرة على تجسيد وفضح كل الممارسات الاستبدادية أو الفاسدة فى أوساط اليسار المصرى، الذى رفع شعارات عالية منذ السبعينيات، استفاد من ورائها الكوادر الكبيرة، وسقط تحت عجلاتها الشباب المؤمن الراغب فى التغيير.
أروى صالح، لم تنكسر ولم تسقط أسيرة للشعارات اليسارية، ولم تتاجر مثل غيرها بالموقف السياسى أو تتربح منه، بل على العكس من ذلك، طورت أروى صالح منهجا نقديا عنيفا فى نقد أمراض اليسار المصرى، وتجلى ذلك فى كتابها الصغير العميق «المبتسرون» التى فضحت فيه المسار الفاسد خضع له اليسار، وكيف تحول النضال من أجل العدالة الاجتماعية إلى ما أسمته بـ«الكيتش النضالى»، وهو تعبير يعنى رواج الكليشيهات المزيفة على حساب النظرية والتطبيق معا.
كانت أروى صالح إذن جرس إنذار كبير بنقدها لأمراض الممارسة السياسية لعقدى السبعينيات والثمانينيات، كما كان انتحارها نوعا من المضى إلى آخر الشوط فى الاحتجاج، ورفض المصير الذى آلت إليه الحركة الطلابية بنقائها الثورى، وهو نفس الموقف تقريبا الذى اتخذته زينب المهدى بعد 17 عاما، ولكن من وسط أروقة اليمين الإسلامى الغارق فى الاستبداد والفساد، والتجارة بالشعارات البراقة، أى فى «الكيتش النضالى» بحسب تعبير أروى صالح.
ما الذى اختلف بين أروى صالح وزينب المهدى، نفس النقاء الثورى والعجز عن التواؤم مع الفساد السياسى، نفس المثالية فى البحث عن عالم تتحقق فيه الشعارات التى ترددت فى الجامعة، أو فى ميدان التحرير، الاختلاف الوحيد فى توصيف المجال السياسى، من اليسار الثورى إلى اليمين الإسلامى، إلا أن التجربة أثبتت أن الطيف السياسى المصرى كله فاسد وضعيف، وموبوء من أقصى اليمين الإسلامى إلى أقصى اليسار الشيوعى، لدرجة لا تسمح لأى إنسان نظيف، ومخلص لمبادئه بالبقاء والاستمرار.