بنظرة سريعة على أعضاء حكومة المهندس إبراهيم محلب ستكتشف أنهم جميعهم تقريبًا لم يمارسوا العمل السياسى من قبل، فلم ينخرط أى منهم فى نشاط سياسى فى شبابه الأول أيام الدراسة الجامعية، ولم ينضم أى منهم إلى حزب من الأحزاب الرسمية، علما بأنهم جميعا كانوا شبابا فى نهاية الستينيات وحتى نهاية السبعينيات، وهى فترة حافلة بالأحداث السياسية الجسام التى دفعت الكثير من طلاب الجامعة إلى خوض عباب بحر السياسة!
لذا يتعامل أعضاء حكومة محلب مع منصب الوزير بصفته منصبًا تنفيذيًا لا موقعًا سياسيًا، وهناك فرق ضخم بين الاثنين، فالسياسة.. وجهة نظر.. اختيار طبقى.. انحياز اجتماعى.. بمعنى.. إذا كنت وزيرًا للتموين - على سبيل المثال - ستخصص الكمية الأكبر من الدقيق لمحلات الحلويات التى تبيع (الجاتوه والتورته) لقلة من القادرين، أم للمخابز التى تنتج رغيف الخبز للملايين؟ وإذا كنت وزيرًا للثقافة ستنفق الملايين على مهرجانات فنية فى القاهرة يرتادها أهل العاصمة من الميسورين؟ أم ستسعى إلى إنشاء قصور ثقافة جديدة فى الأقاليم وتطوير القديم منها لتقدم الخدمة المعرفية والإبداعية لملايين الفقراء فى الريف والصعيد؟
حتى هذه اللحظة لم تتخذ حكومة إبراهيم محلب قرارًا جادًا يوضح انحيازاتها، وبالتالى هى تسير وفق التوجه السياسى لأنظمة السادات ومبارك والمجلس العسكرى ومرسى، وكلها أنظمة خاصمت الفقراء وزادتهم فقرًا، فى مقابل تركيز الثروة والسلطة فى أيادى حفنة من الكبار، ولأن هذه الأنظمة كانت أجهل من دابة، فقد تركت الفساد والإهمال ينخران فى جسد الدولة، حتى بات كل شىء فى مصر معطوبًا، من أول الطرق وحوادثها المميتة، حتى المستشفيات ومصائبها المتراكمة، مرورًا بكوارث التعليم والثقافة والبطالة.
إن مشكلة مصر تكمن فى غياب السياسة عمن يملكون اتخاذ القرار، فتشعر أن الوزراء مجرد موظفين يوقعون على قوائم المرتبات والمكافآت، فلا هناك قرارًا ثوريًا واحد اتخذته هذه الحكومة بالرغم من أنها تشكلت عقب ثورتين عظيميتن، ولا توجد خطة محددة الملامح بجدول زمنى نشعر فيه بعدها بتحسن الأحوال لأكثر من ستين مليون مصرى على الأقل.
نريد حكومة تفهم فى السياسة!