تقول الماده 74 من الدستور «لا يجوز ممارسة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معاد للديمقراطية أو سرى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى»، والسبب المستهدف من منع قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أن العقيدة الدينية بطبيعتها الإيمانية وبواقع ممارستها العملية تعد نفسها هى الحق المطلق والحقيقة الخالدة، وإلا فلماذا اختار الإنسان عقيدته الدينية دون سائر العقائد؟ لأنه يؤمن بصحيح عقيدته وحقيقة دينه، ولذا فهناك فارق بين قبول عقيدة الآخر الدينية على المستوى الدينى وقبوله ومعايشته والتعايش معه على المستوى الإنسانى، ولذا فعندما يتم خلط الدينى بالسياسى عند إنشاء أحزاب سياسية على أساس دينى فهذا يعنى رفض الآخر الدينى ليس على المستوى العقدى فقط، بل ينتقل هذا الرفض إلى المستويات السياسى والاجتماعى والثقافى، ثم يتحول الآخر الدينى إلى مواطن درجة ثانية عليه أن يخضع لثوابت وقيم الآخر، وحزب سياسى على أساس دينى، فهذا يعنى، وهو الأهم، أن هذا الحزب الدينى يمكنه أن يحول مواقفه وتفسيراته واجتهاداته الدينيه برؤيته الخاصة إلى قوانين ملزمة تلزم الآخر بل تقهره.
ولهذا رفض المصريون هذا الخلط المتعمد بين الدينى والسياسى، وذلك لتحقيق أهداف حزبية وأغراض ذاتية تحت ستار الدين وأسقطوا حكم الإخوان، والخلط هنا يأتى من جماعات وأحزاب ومؤسسات دينية إسلامية أو مسيحية مع فارق نسب وصور التدخل، ولكن النتيجة واحدة، وهى تكريس فكر وسلوكيات الدولة الدينية، وهنا نجد نموذج حزب النور الذى شارك هو والكنيسة فى 3 يوليو 2013 فهل هو حزب سياسى أم حزب دينى؟ ولا نقول بمرجعية دينية، فالمرجعية تتفق مع الدستور وتلتزم بالقانون اللذين لا علاقة لهما بالفتاوى والاجتهادات الخاصة التى تختلف بل تتناقض بين حزب دينى وآخر، فهل فتاوى برهامى وإخوانه ضد المسيحيين تدخل فى الإطار الدينى أم السياسى؟ وهل عندما تتحول هذه الفتاوى إلى قوانين ملزمة، فما علاقة المختلف دينيا بهذه القوانين؟ وهل هناك حزب سياسى لا يعترف بعلم الدولة ولا يقبل السلام الوطنى؟ وما علاقة النور وأمثاله بالديمقراطية حيث تمنع المادة 74 أى نشاط معاد لهذه الديمقراطية؟ أم أننا نمارس التقية ونفعل النفعية البراجماتية على حساب الوطن؟ فهذا لا يجوز، ولذا نجد أن النور قد وقع فى مأزق القوائم الانتخابية التى تفرض عليه وجود المسيحيين فأعلن عدم خوضه فى القوائم لعدم قناعته بترشح مسيحيين، ثم يفاوض الآن مع ما يسمى المسيحيين المختلفين مع الكنيسة، وعلى ذات الأرضية يقول النور إن الكنيسة تضغط وتهدد المسيحيين لكى لا يترشحوا مع النور، مع العلم بأن خطيئة الكوتة للمسيحيين فى نظام القوائم هى الخطر الطائفى القادم على أرضية لبننة مصر، كما أن هذه الكوتة قد جعلت للكنيسة دورا سياسيا بطريق غير مباشر، فالأحزاب الورقية الديكورية ستلجأ للكنيسة لترشح لها أقباطا حتى تضمن مساعدة الكنيسة لهذه القوائم، فهل بهذه الممارسات نطبق قولاً وفعلاً الماده 74؟ أم أننا نجهز ونمهد لنمو وبزوغ الدولة الدينية فى وقت نعانى من نتائجها فى تلك الحرب الوجودية مع الإرهاب، هذا يا سادة ضد الدستور وضد الدولة المدنية التى هى طريق التوحد وسبيل دولة القانون ودولة كل المصريين.