لو كنت من أهل إعداد البرامج التليفزيونية فى مصر، فحتما تحمل هاتف الخبير الإستراتيجى، أو إن صح التعبير "الخابور الإستراتيجى"، دائما تلجأ إليه مع كل واقعة تكون القوات المسلحة طرفا فيها، ليحلل ويكشف المعلومات .
التجرية تثبت أن "الخابور" الإستراتيجى لا يمتلك معلومات أكثر من أى مواطن بيلعب "طاولة" على القهوة، "الخابور" يفسر الأمور كأنه على دراية تامة بكل التفاصيل، ملم بكل التطورات، ولكن مع مرور الأيام تكشفت الحقيقة أنه يردد عبارات وجمل فى كل حلقة تليفزيونية وكل حوار صحفى، نفسها تلك الجمل باختلاف الوقائع المختلفة .
هو نفسه الخابور، من أعلن عشرات المرات عن معلومات مؤكدة بشأن إفصاح القوات المسلحة عن منفذى هجوم رفح الأول، ولم يحدث، هو نفسه من كشف أسماء المتورطين من الخارج فى عمليات داخل مصر، ولم تثبت التحقيقات ذلك حتى الآن، هو نفسه من خرج مؤخرا قبل يومين يحلل حادث "لانش دمياط" ويكشف عن نتائج التحقيقات مع المتورطين فى الحادث، رغم أن التحقيقات مازالت جارية ورغم أننا مازلنا نجرى البحث عن مفقودين لنا من قواتنا البحرية حتى الآن .
الأصل من طرح إشكالية ظهور "الخابور" الإسترايجى على وسائل الإعلام وحديثه عن كل شىء فيما يعلم وما لا يعلم، يأتى حفاظا على هيبة "الخبير الإسترايجى الحقيقى"، حفاظا على اللقب الذى يحمل لدينا مزيدا من التوقير والاحترام، حفاظا على عشرات من الخبراء الآخرين أصحاب الدراسة العلمية والخبرة الطويلة والذكاء فى الحديث لوسائل الإعلام وحفاظا على أن لا تستغل كلمة "خبير" فى إدارة بيزنس خاص فى مجال الاستشارات الأمنية .
أخطاء "الخابور الإستراتيجى" المتكررة، تجعلنا نحن الشباب نتبنى وجهة نظر غير صحيحة عن العسكريين المتقاعدين، أنهم قد يتساهلوا ويقبلوا الحديث عن أى شىء فقط من أجل الظهور فى الإعلام، فقط من أجل "الشو"، رغم أن العسكريين هم الفئة الاكثر إيمانا بالتخصصات وبعدم الحديث فى غيرها .
إلى كل خبير إسترايجى حقيقى، أرجوك لا تقبل إغراءات الإعلام المتكررة وتتحول بمرور الوقت إلى "خابور إستراتيجى"، تتنقل بين القنوات وتحدد أجندة يومك بناء على مواعيد البرامج، كن كما تعلمت دائما تتحدث فيما تعلم وتتحفظ فى الحديث عن ما لا تعلم .
على الهامش أخيرا، نشرت قبل 6 شهور قضية تخابر، كنت من بين قلائل يعرفون تفاصيلها الأولية، وفوجئت بـ"الخابور الإسترايجى" ضيفا على أحد القنوات التليفزيونية ساعتين متتاليتين يحلل القضية ويتحدث كأنه يعرفها منذ فترة طويلة ويتابع تطوراتها، رغم أن كل العبارات التى كان يتلوها على الهواء تتطابق مع ما كتبته عن القضية .
أيها "الخابور الإستراتيجى".. ارحمنا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة