الإصلاح الإدراى فى مصر يحتاج إلى معجزة وإرادة أكثر مما.. يحتاج إلى مدونة سلوك التى تفكر الدولة فى تطبيقها كحل للتطوير.. مدونة السلوك فى إطارها الرئيسى هى منظومة أخلاق ينبغى أن تكون قائمة بالفعل ولكنها ذهبت وأصبحت نسيا منسيا، ورغم أن هذه المدونة جهدا مشكورا إلا أنها نقطة ضوء لا تنير بحور الظلمات التى نغرق فيها، الجهاز الإدارى المتخم بنحو 8٫6 مليون موظف ومشاكله المتراكمة والمتشعبة والمتشابكة لن تحل بمنظومة أو مدونة وأنما بإجراءات كثيرة وإرادة تفرض ثقافة سلوك وأخلاقيات تجعل الضمير لا يأخذ إجازة مرضية أو سنوية فالمدونة تحث على عدم استخدام الوظيفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحصول على مكاسب مالية والتأكد من عدم استخدام الألقاب العسكرية فى الوظائف المدنية مما يؤدى إلى ازدواج المسميات الوظيفية وتفادى إقامة علاقة وثيقة مع أفراد أو مؤسسات تعتمد مصالحها بشكل أساسى على قراراته أو قرارات إدارته، وهذا البند الذى من المفترض أن يحدث طبيعيا ولكنه أصبح خيالا علميا ولو طبق فسوف نسد بابا كبيرا من أبواب الفساد الجهنمية. كما تنص المدونة على ضرورة ترشيد استخدام الكهرباء والمياه وكلها سلوكيات كان من المفترض أن تبقى قائمة ولكن ثقافة «أنا مالى» والتعامل باستهانة باعتبار أن مال الحكومة يجب أن يهدر.. إنها كارثة فى اتجاه التفكير، وتؤكد المدونة على ما يجب أن يكون ولكن الواقع غالب والمسافة بين ما يجب أن يكون وما يحدث شاسعة وهو أن يتم اختيار الموظفين وترقيتهم على أساس قدراتهم ومعاملة جميع الموظفين معاملة عادلة مع منح أجر متماثل للوظائف المتماثلة وكذا توافر الاستقامة والخلق القويم لدى الموظف، والآن الاستقامة أصبحت نسبية، والخلل فى الجهاز الإدارى هو انعكاس للخلل فى المجتمع ككل وانعكاس للتراث البيروقراطى المصرى الذى نتوارثه دون أن نثور عليه لتغيره تماما.
ولكننا نجيد محاولات إصلاح جزئى لتبقى محاولات محدودة تتوقف لأنها لا تملك مقومات الاستمرار فى الوقت الذى تشهد البيروقراطية الحكومية توسعا وتوغلا ورسوخا، فالدولة لابد أن تمتلك رؤية واضحة للإصلاح. لقد مر على هذا البلد ستون عاما من محاولات إصلاح إدارى فاشلة لأنها لا تنطلق من أهداف محدودة وواضحة تربط عملية الإصلاح بهذه الأهداف ولم تأت فى إطار خطة عامة للدولة محددة الملامح والمراحل وفى إطار تكامل واضح مع خطة التنمية والإصلاح الاقتصادى، ولابد أن يكون المواطن شريكا فى هذه الخطة لأن سلوكه يحول دون تطبيق خطط الإصلاح بإيجابية فالمواطن الذى يبادر بتقديم الرشوة لتسهيل الحصول على الخدمة أو كسر القانون واللوائح الإدارية لصالحه يشجع الموظف على عدم الالتزام. الدولة لابد أن تعيد تقييم القيادات الإدارية فهناك عدد كبير غير مؤهل لتبنى النسق الفكرى السلوكى للإصلاح، وهناك معوقات كثيرة لابد أن تدركها الدولة وتعمل على المتخلف منها باقصى سرعة منها ضعف آليات التقييم الحقيقية وضعف العلاقة بين الجهاز السياسى والجهاز الإدارى مما أدى إلى عدم تفهم الجهاز الإدارى لبرامج الإصلاح ولابد من دراسة التجارب الناجحة فى الخارج وتطبيق الملائم منها حتى لا تبقى نعانى من مشاكل بدأت فى الخمسينيات ولا تزال قائمة وتزداد حدة واتساعا.