بصراحة.. لقد خسرنا كثيرًا حين تركنا الأجانب الذين كانوا يقيمون فى مصر ويرحلون عنها مضطرين، وبصراحة أكثر.. لم ينتشر الفكر المتشدد والإرهاب الأسود إلا حين تم تفريغ مصر من الكتل الأجنبية التى كانت تستوطنها بكثافة، وسأشرح ذلك فورًا.
إذا درست تاريخ مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين ستكتشف بسهولة أنها كانت قبلة لمجموعات كبيرة من الفرنسيين والإيطاليين والأرمن والقبارصة واليونانيين، فضلا على الشوام، وكانوا هؤلاء الناس يملكون المصانع والشركات ويؤسسون النوادى والمطاعم ودور السينما على طراز حديث يبجل فضيلة إتقان العمل، ويعزز حب الجمال والنظافة، ولنا فى أفلام الأبيض والأسود أسوة حسنة، فكثير من صناع الفيلم أجانب، كما يكتب فى المقدمة، وأحداث الفيلم نفسها توضح حجم وجود الأجانب فى حياتنا، فالطبيب والممرضة والخياطة والمصور ومهندس الصوت والديكورست وصانع الزنكوغراف وصاحب المطعم والنادل/ الجرسون وغيرهم من الأجانب المستقرين فى مصر كما نراهم فى هذه الأفلام.
هؤلاء الأجانب كانوا يمنحون المصريين فضائل عدة بدون قصد أهمها التسامح وقبول الآخر المختلف على كل المستويات من حيث الدين واللغة والعادات والسلوكيات، فلم تكن هناك مشكلة لدى أجدادنا أن يتعاملوا مع المسيحيين واليهود والرجال ذوى اللسان المعوج والنساء السافرات، كما وهب أولئك الأجانب أهالينا دروسًا غير مرئية فى الدقة والتنظيم وحب العمل، وهى قيم فقدناها منذ خمسين عامًا للأسف، ولعلك تعلم أن وسط القاهرة الذى نتباهى به صممه مهندسون من فرنسا وبلجيكا استجلبهم الخديو إسماعيل، كذلك صمم الإيطاليون العمارات الفخمة على شاطئ البحر فى الإسكندرية.
المثير للأسى أن مصر كان يقطن بها 40 ألف أرمنيًا فى الأربعينيات حين كان عدد سكانها نحو 15 مليون نسمة، والآن لا يتجاوز عدد الأرمن 2500 إنسان فقط، وعددنا زاد على التسعين مليون، هذا على سبيل المثال.
إن الحاجة إلى عودة الأجانب باتت ضرورية لينظموا ويؤسسوا على طرز حديثة مثلما فعلت دول أخرى لأن مهاراتنا ما زالت ضعيفة، ولا خوف الآن من استعمار جديد مادمنا سنضع الضوابط والقوانين التى تحمى قرارنا السياسى واستقلالنا الوطنى. حتى نستعيد مصر المشرقة.. أعيدوا الأجانب إليها بكثافة!