«ونحن نريد إعلاما داعما كإعلام عبدالناصر»
عبدالناصر، عبدالناصر، عبدالناصر.. خطب عبدالناصر.. صور عبدالناصر بجوار صور السيسى
الأغانى التى كانت تذاع فى عهد عبدالناصر «قبيل النكسة.. حتى فال وحش».. كل خطأ يحدث يبرر بأنه كان يحدث فى عهد عبدالناصر.. كل قمع يقترف، يتخذ عبدالناصر على قبوله قرينة.. كل جريمة ترتكب، يشار إلى عبدالناصر كمثال للتبرير.
عبدالناصر مات يا خلف
والرئيس السيسى ليس هو الرئيس عبدالناصر، وأنا شخصيا لا أومن بتناسخ الأرواح حتى أصدق أن روح عبدالناصر حلت فى السيسى. وعهد عبدالناصر كان فى الخمسينيات والستينيات، ونحن الآن فى عام 2014. وفى وقت عبدالناصر كان هناك شىء اسمه الاتحاد السوفييتى، ربما كثير من شباب الجامعات وطلبة الثانوى ولدوا بعد حله. وفى عهد عبدالناصر كان التليفزيون طفرة إعلامية تثير الدهشة. ونحن الآن لدينا الفضائيات العالمية تدخل كل بيت. وفى عهد عبدالناصر الناس كانت تحادث بعضها عبر التليفون الأرضى الأسود، ونحن الآن لدينا الموبايل والإنترنت والسكايب، والبيوت بتتخرب بسبب «الشقط» على الفيس بوك. فى عهد عبدالناصر كان يمكن للسلطة أن تشوش على إذاعة البى بى سى، وتمنع كتبا ترى فيها خطرا على الأمن القومى، والآن يمكنك قراءة كل ما ترغب على الشبكة العنكبوتية مهما حاولت السلطات منع المادة التى ترغب فى قراءتها، ولا يمكن للسلطة أن تأتى بفعلة مبارك الخرقاء حين قطع الاتصالات والإنترنت، ماذا وإلا انهار الاقتصاد المصرى الذى أصبح معتمدا اعتمادا كليا على الإنترنت والاتصالات الحديثة.
ثم إن الرئيس عبدالناصر، فى ظل وجود الاتحاد السوفييتى، كان يستطيع تأميم أملاك الأعيان والإقطاعيين. والرئيس السيسى، فى ظل العولمة، والنظام الاقتصادى العالمى، لا يستطيع أن يفكر، مجرد تفكير، فى تأميم رجال الأعمال، الذى ترك لهم مبارك الحبل على الغارب حتى تمكنوا من مفاصل الدولة، ويمكنهم تقويض أركانها إذا ما شعروا بتهديد يقترب من مصالحهم.
ثم إن عبدالناصر، فى ظل وجود الاتحاد السوفييتى، كان يستطيع أن يستغنى عن المعونة الأمريكية ويوجه خطابه للولايات المتحدة: نقدر نشرب شاى مرة واحدة فى اليوم بدل تلات مرات، نقدر ناكل فراخ ولحمة مرة واحدة فى الأسبوع بدل مرتين... المهم نستقل بقرارنا. لكن السيسى يرث ميراث كامب ديفيد الذى يكبله بالمعونة الأمريكية، وإذا ما فكر فى الفكاك منها، فأى دولة يمكن أن تقدم له المعونة العسكرية المتطورة التى تقدمها الولايات المتحدة؟ ثم إن عبدالناصر كان يستطيع تأميم الأراضى الزراعية، وما يجب أن يفعله السيسى الآن هو وقف تجريف الأراضى الزراعية، والتعديات عليها. ثم إن عبدالناصر، وبعد كل هذه الفرص الذهبية، وبعد كل ما بذله الرجل من مجهودات لدعم مشروع نهضته الذى كان يغطى مجالات التعليم، والصحة، والفن، والاقتصاد، وبعد كل العون الذى أخذه من الاتحاد السوفييتى - قدس الله سره - وبعد كل المساندة التى حظى بها من الجماهير الغفيرة، تم ضرب مشروعه ضربة قاتلة عقب هزيمة 67. عبدالناصر اتهزم يا خلف، بتفولوا علينا ليه؟
متى يتم استخدام أيقونة عبدالناصر؟ أخشى أن يستخدمه البعض فى الإشارة إلى القمع والقهر وإعلام الصوت الواحد وتخوين المعارض. طيب إليك المفاجأة: كان القمع والقهر وإعلام الصوت الواحد وعدم رغبة الرئيس عبدالناصر فى سماع النصح هو كعب أخيلوس الذى أودى به إلى الهزيمة. وكان الناس يتسامحون مع القمع فى مقابل مجانية التعليم والصحة والفدادين الخمسة.. فهل يقدم الرئيس السيسى ذات المكتسبات للناس حتى يزدردوا الوضع الراهن راضين؟