يتكئ بيده على عصا من الخيزران، ويتخذ من راحة الأخرى متكئًا لخده، ويقبض بأصابعها على سيجارته، بعد أن انتهى للتو من سحبة النيكوتين.. يبتسم ابتسامه رقيقة تبدو كأنها من المعالم الرئيسية لملامح وجهه الضاحك فتضحك معها عينيه من خلف نظارته الطبية المربعة.. يلقى برأسه للخلف قليلا كأنه مسافر على رصيف يرتاح من عناء سفره بلاد تشيل وبلاد تحط.. يبدأ فى سرد حكاياته فى قهوة كتكوت، ورحلات ابن عطوطة، والموكوس فى بلاد الفلوس.. أو يتمادى فى الضحك المبكى فيحكى مذكرات الولد الشىقى، لتشعر أنك فى سيرك تسترخى على كرسى من الجلد أثناء مشاهدتك لفقرة البهلوان.
"خلقه الله على هيئة بشر ولكن بمزاج الفاكهة والورود والرياحين.. هو الوحيد الذى جمع بين موهبة الكتابة والخطاب الشفاهى فى اتساق تام وتوازن خلاق.. ولهذا لم يضع من عمره برهة واحدة فى الفراغ.. استطاع أن يفيد الحياة والإنسانية بكل زفرة من زفراته".. هكذا وصف الروائى الكبير خيرى شلبى، رئيس جمهورية الساخرين الراحل محمود السعدنى.
ولد الولد الشقى فى مثل هذا اليوم 20 نوفمبر 1928، بمحافظة الجيزة، وارتبط بها كثيرا، غير أن أصوله تعود لمحافظة المنوفية، فكان بين الحين والآخر يذهب لأجداده هناك، وهو ما نمى لديه موهبته فى الكتابة عن الفقراء والحياة فى الريف، والتى نقلها لنا بأسلوبه المميز فى الكتابة الساخرة حتى تربع على عرش الكتابة الساخرة فى الصحافة العربية مع الكبار من أمثال بيرم التونسى ، وعبد الله النديم، وجلال عامر وأحمد رجب حديثًا.
عمل السعدنى فى بدايات حياته الصحفية فى عدد من الصحف والمجلات الصغيرة، وصفها السعدنى بأنها: "كانت مأوى لعدد كبير من النصابين والأفاقين"، كما شارك فى تأسيس العديد من الصحف والمجلات فى مصر وخارجها، وترأس تحرير مجلة صباح الخير.
شارك رئيس جمهورية الساخرين، فى الحياة السياسية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسجن بتهمة غير محددة، وفى عهد الرئيس أنور السادات اتهم بمحاولة الانقلاب على الرئيس وتم سجنه، وبعد الإفراج عنه صدر قرار بفصله من مجلة صباح الخير ومنع كتابة اسمه فى أى صحيفة مصرية، فقرر الهجرة خارج مصر وتنقل بين عدة دول واستقر فى لندن وهناك أصدر ورأس تحرير مجلة 23 يوليو، ثم عاد إلى مصر بعد اغتيال السادات عام 1982 م.
أثرى السعدنى المكتبة الساخرة بمؤلفات عديدة أبرزها مذكراته التى أطلق عليها مذكرات الولد الشقى فى أكثر من جزء، كما تميز بأسلوب الحكاء الساخر الذى يمزج بين خفة الظل والتشويق، فقدم: "السعلوكى فى بلاد الأفريكى: رحلات إلى أفريقيا، والموكوس فى بلد الفلوس: رحلة إلى لندن، ووداعاً للطواجن: مجموعة مقالات ساخرة، ورحلات أبن عطوطة: رحلات متنوعة أمريكا يا ويكا: رحلة إلى أمريكا، ومصر من تانى: مجموعة مقالات عن تاريخ مصر".
اعتزل الولد الشقى العمل الصحفى والحياة العامة عام 2006م بسبب المرض، إلى أن توفى يوم الثلاثاء 4 مايو 2010 عن عمر يناهز 82 عاماً إثر أزمة قلبية حادة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة