فى نهاية السبعينيات خاضت الولايات المتحدة أخطر فصول الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان. يومها دعمت أمريكا الجهاد ضد السوفييت وشكلت مع مصر والسعودية ودول الخليج جسرا لنقل المجاهدين إلى أفغانستان. انتهت الحرب وانسحب السوفييت وخرجوا من السباق. ونسيت الولايات المتحدة المجاهدين وتركت فائضا ضخما من السلاح والمال والجماعات المدربة التى خاضت الحرب فى مواجهة بعضها، ثم بدأ فائض القوة من الشباب والمجاهدين فى العودة لبلادهم أو البدء فى تشكيل محطات هجوم على الولايات المتحدة وأوروبا ثم الإرهاب فى بلادهم، وعرفت مصر واليمن والجزائر بل السعودية موجات من هذا الإرهاب. كان تنظيم القاعدة هو أكبر تعبير عن فائض القوة بالعتاد والتنظيم والقيادة. صحيح فشل إلا قليلا فى إيذاء أمريكا، لكن هذا الفائض مثل منبع الإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات بمصر والدول العربية.
كانت جماعات الإرهاب التى انتقلت بعد غزو العراق وسقوط صدام، وما تبقى منها، ولا تبعد داعش عن هذه المنظومة فهى موجة ثانية لحرب باردة لا تعمل وحدها وليست مجرد تنظيمات صغيرة لكنها حصلت على تمويل ودعم من دول وأنظمة وأجهزة وشركات سلاح ترى صالحها فى نشر الخوف من دون نظر للعواقب.
من هنا يصعب تصور إنهاء هذه التنظيمات فجأة أو بالقتال وحده، بل الحل بالفعل فى مواجهة شاملة تتجاوز المواجهة العسكرية وتعمل حسابا لفائض هذه الجماعات من المقاتلين أو الشباب.
نحن أمام رصيد من العنف يختبئ خلف أفكار متطرفة. لكننا أمام رصيد من الشباب من العالم كله لا يستثنى منه الدول المتقدمة أو الغرب، وهناك مئات من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا وكندا انضموا لداعش، وهؤلاء مثلما تم تجنيدهم وغسل مخهم بأفكار التطرف وانضموا إلى غيرهم من شباب الدول العربية والإسلامية، كل هؤلاء يمثلون فائض إرهاب وعقول مفخخة يمكن إعادة استعمالها، وما زال العالم غير منتبه إلى هذا الرصيد من العقول المفخخة، وقد واجه العالم فى السبعينيات موجات التطرف ممثلة فى جماعات الشباب المنتحر أو الهيبز الإجرامى فى الولايات المتحدة.
هذه العقول المفخخة لم تنتج من تنظيم داعش فقط، لكنها نتاج إنفاق ضخم لأموال كبيرة ودعم إعلامى ومالى فى حال هزيمة داعش سوف تكون قنابل مفخخة حال عودتها إلى بلادها، لتمثل موجة كبيرة من موجات الإرهاب، وعنوانا لمرحلة بما لها من سند إعلامى وفضائى، وعلى شبكات التواصل، وبالتالى نحن أمام رصيد من الإرهاب قابل للنشاط والعمل لمن يدفع ليكرر تجربة القاعدة، بشكل أكثر عنفا وعشوائية.