جماعة الإعلاميين فى مصر منقسمة على نفسها، قطاع كبير منهم تحركه الأهواء والمصالح الشخصية والخضوع التام، إما للحكومة- أى حكومة- أو لرجال الأعمال، وبالتالى فإن الإعلاميين غير قادرين على تنظيم صفوفهم، أو الالتفاف حول موقف محدد، أو حتى على فتح حوار موضوعى عبر آليات مستقرة وشفافة، يستهدف تطوير الأداء الإعلامى، وحماية الحقوق المهنية لآلاف الإعلاميين.. تأخر الإعلاميين فى الإذاعة والتليفزيون العام والخاص عن إعلان نقابة مستقلة تعبر عنهم، وعندما اتفقوا فشلوا فى الضغط على الحكومة لإصدار قانون للنقابة. أما الصحفيون فإن أداء نقابتهم فى تراجع مستمر، ثم تأخر الإعلاميون فى تنظيم حوار لطرح أفكار ومشروعات قوانين على الرئيس للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، مما سمح لرئيس الوزراء بتشكيل لجنة مصغرة- أغلب أعضائها من الشيوخ فوق الستين- لاقتراح هذه القوانين، لكن الحسنة الوحيدة لهذه اللجنة أنها دفعت الإعلاميين للتحرك، فأعلنوا تشكيل لجنة من خمسين عضوًا لاقتراح قوانين تنظيم المجلس الأعلى للإعلام، وهيئتى الإعلام والصحافة.
وهكذا أصبح لدينا لجنتان، حكومية، والثانية شعبية إذا جاز الوصف، والاثنتان تتصارعان على وضع هذه القوانين التى يحتاج إليها الإعلام بشدة، لذلك هناك من اقترح إنهاء حالة الخصومة والصراع بينهما، وتوحيد الجهود، والعمل معًا من أجل تنفيذ المهمة، لكنى شخصيًا أعتقد بصعوبة توحيد أو حتى تنسيق جهود اللجنتين، وأقترح أن يعملا بشكل متوازٍ، شرط أن يقدما للرأى العام وللإعلاميين أولًا بأول نتائج عمل كل منهما، بحيث تطرح لنقاش مجتمعى عام.. أرى أننا فى حاجة ماسة إليه، حتى نضمن مشاركة كل أبناء الوطن- وفى مقدمتهم الإعلاميون- فى مناقشة شكل وترتيبات النظام الإعلامى الجديد وضوابطه.
وهنا أشير إلى تراجع دور النقاش المجتمعى فى مصر مع تراجع المجال العام، حيث تصدر قوانين، أو يعلن عن مشروعات بدون نقاش مجتمعى. وأذكر هنا على سبيل المثال تصريح وزير البيئة الأسبوع الماضى، والذى أكد فيه عدم الإعلان عن قواعد استخدام الفحم إلا بعد اعتمادها من رئيس مجلس الوزراء، مشيرًا إلى أنه تم الانتهاء من %99 من تلك الضوابط، ويتم إجراء الصياغة القانونية لها بعد مناقشة الوزارات المعنية، لكن ماذا عن النقاش المجتمعى ودور الإعلام فى تنظيم هذا النقاش؟، لم يوضح الوزير، ولم يبادر الإعلام بالاهتمام بهذا الموضوع الذى يرتبط بالصحة العامة للمواطنين.
الحوار المجتمعى مطلوب ولابديل عنه لتطوير أداء مؤسسات الدولة، وتغييب حالة الحوار تعود بنا إلى مرحلة ما قبل ثورة يناير، لذلك أتمنى على جماعة الإعلاميين أن تهتم بالحوار فيما بينها، وتعيد الاعتبار للنقاش المجتمعى الذى لا يصادر رأيًا أو يحجب فكرة، لأن التفكير خارج الصندوق هو إحدى وظائف الحوار المجتمعى، لذلك كان من الغريب أن يعاتبنى بعض الإعلاميين على ما طرحته بشأن تخصيص %75 من مقاعد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهيئتى الصحافة والإعلام للإعلاميين الذين يمارسون المهنة، وتخصيص %50 لشباب الإعلاميين أقل من 40 سنة. طبعًا تركز العتاب على افتقار الشباب للخبرة، واندفاعهم إلى آخر تلك المعزوفة المكررة والبليدة، والتى تتجاهل أن الشيوخ والخبراء سيكون لهم تمثيل فى الهيئات الثلاث، كما يمكن الاستعانة بكبار السن من الشيوخ كمستشارين لبعض الوقت، وفى مهام خاصة كما يحدث فى العالم كله.. أخيرًا أتمنى للإعلاميين جميعًا أن يتجاوزوا خلافاتهم، ويضحوا ببعض مصالحهم، ويتعلموا فضيلة الحوار والتفاوض والعمل معًا بالرغم من وجود اختلافات بينهم، لأن الوطن فى حاجة ماسة إلى إعلام جاد ومتوازن وتعددى، يدعم فى آن واحد الحريات، وجهود التنمية والعدالة الاجتماعية، ومقاومة الإرهاب، إعلام يتحرك وفق رؤية وسياسات متعددة المحاور ومتكاملة، عوضًا عن إعلام الصوت الواحد والمهمة الواحدة التى- للأسف- فشل فى القيام بها!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة