التقيت وأنا فى السنة الثانية فى كلية الاقتصاد الشيخ سيد سابق، التقيناه وسهرنا معه سهرة طويلة، وفى السنة الثالثة بالكلية يبدو أن الإخوان قد أعدوا العدة لاقتحام الجامعة بدعاتهم، فجاءنا بكلية الاقتصاد الأستاذ عمر التلمسانى وحاضرنا فى المدرج الكبير بالكلية، كما جاء مصطفى مشهور، وفى الواقع كان الإخوان موقفهم ملتبسا من سيد قطب، فلا هم كانوا يتبنونه على طول الخط ولا هم كانوا يرفضونه على طول الخط. وجاء كليتنا الصغيرة الشيخ عبدالله السماوى، وحضر معنا إفطارا حيث كنا ننظم بالكلية إفطارات يوم الاثنين والخميس، وكان الرجل له سمت جذاب للشباب بحديثه بالعربية، وفى كليتنا الصغيرة تلك كنت أكتب مقالات حائط، وكان هناك زميل لنا اسمه حامد جاءنى كمسؤول عن الجماعة ببعض مقالاته لنشرها، وحين تعقبته بمتابعته والسؤال عنه عرفت أنه سافر للعمرة وبعدها علمت أنه التحق بجهيمان العتيبى فى أحداث الحرم وقتل هناك.
وكان معنا فى كلية الاقتصاد زميلنا الشيخ صفوت الشوادفى وكان طالبا فى قسم الإحصاء لكنه لم يكن مهتما بالدراسة، ولأنه ليس مقيما فى المدينة الجامعية فقد كان يقيم معى بحجرتى، وكانت المدينة الجامعية معسكرا كبيرا للتدين، حيث كنت أوقظ زملاءنا لصلاة الفجر وكنا نجتمع فى حجرة أحد زملائنا ونقرأ فى ظلال القرآن. أذكر أننى ذهبت لمنزل مصطفى مشهور مع زميل لنا كان يريد السفر، فذهب إليه ليسهل له السفر إلى السعودية فعرض عليه السفر إلى اليمن، وقال لتكون داعية للإخوان هناك، وأذكر أنى ذهبت لمجلة الدعوة يوما فوجدت عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان يقفان على أحد أبوابها، وكان الإخوان قد خرجوا من السجون وبدأوا الانقضاض على حركة الطلاب الإسلامية الجديدة فى الجامعة.
أذكر أنى تلقيت خطابا على منزلى بمدينة المنصورة من اللجنة الثقافية بالكلية يدعونى لحضور معسكر ثقافى بمدينة بورسعيد، وحضرت المعسكر الذى كان يغلب عليه الطابع الناصرى، كان معنا فى المعسكر زميلنا عبدالرحمن صلاح الذى أصبح سفير مصر بتركيا، والتقانى فيما بعد هناك فى أحد المؤتمرات قبل ثورة 25 يناير، كما كان فى المعسكر زميلنا محمد شومان بلدياتى، وحسين عبدالغنى الذى أصبح مسؤولا عن نادى الفكر الناصرى وقتها، وفى الطريق إلى المعسكر حيث ركبنا الأتوبيس كان يصحبنا حمدين صباحى، وهو أكبر منا سنا حيث كانت كلية الإعلام تستضيفها كلية الاقتصاد فى أحد أدوارها، كنت وقتها فى نهاية السنة الأولى من الكلية، وكنت قد حسمت خيارى نحو الالتزام بالفكرة الإسلامية.
وأذكر أننى حضرت معسكرا إسلاميا فى قرية الشعراء بدمياط بقرية زميلنا فى كلية الإعلام ممدوح الولى وبقيت أسبوعا كاملا فى قريته وذلك للعمل الدعوى، وأكلنا معا وأصبحت لدينا تجربة مشتركة وعيش وملح، كما كان زميلا لى فى المدينة الجامعية، ولكن بعد خروجى من السجن وبينما كنت قد خرجت لحياتى العملية وكنت أغطى مؤتمرا ً اقتصاديا بمركز صالح كامل وكان هو يقف إلى جوارى وقد حلق لحيته ولم أكن أعرفه فقد تباعد الزمان بيننا وظل واقفا إلى جوارى وكأنه لا يعرفنى، ولم يبادر حتى ولو للسلام والمصافحة، وبعد قليل جاء من يصافحه ويذكره باسمه فالتفت إليه قائلا: أأنت فلان فأحرج وقال والله لقد كنت إلى جوارك أرتعش ولكنى أحجمت عن مصافحتك خوفا، وظل يخاف العلاقة معى لوقت طويل جدا، كانت حركتنا فطرية طبيعية لا علاقة لها بتنظيمات ولا بعنف ولا أسرار، بيد أن دخول كل ذلك على الحركة الطلابية كان أكبر الأخطار عليها وعلى المجتمع كله، إنها غرابة الحياة وتقلباتها.