(الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير وأحيانًا يكون لها سياسة) حكمة ملهمة للفيلسوف الفرنسى "ألبير كامو" فكلنا متأكدون من انعدام الضمير.
لكن المصيبة الكبرى أننا نكتشف كل يوم عدم وجود أى سياسة، حتى سياسة البركة المنكوبة المنسوبة قديمًا لمبارك بدأنا نبكى على خططها الخماسية بعد أن جربنا الخطط العشوائية للحكومة الحالية، فبعد أن صدعونا بوطنية عبد الناصر وإعلام عبد الناصر وشعارات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية تخرج كل القرارات من عينة (وشك فى الحيط وأفاك ليه) فيرفعوا الدعم عن كل أنواع الطاقة بحجة مكافحة الفقر ويصرحون بأن الأسواق لن تتأثر والأسعار لن تتحرك وأن الناس فى حماية الحكومة. لنفيق من كلامهم ونحن كالأيتام فى موائد اللئام، فالبلاد فى حالة تضخم هائل لا أول له ولا آخر فكل الأسعار تضاعفت والغلاء توحش فى كل شىء حتى الخس والجرجير، حتى تساقط المستورون تحت خط الفقر وتساقط الفقراء لقاع البؤس.
يتكلمون بحماسة عن خطط طموحة (لرفع) كفاءة الدولة فى تقديم خدماتها للمواطنين. لتكتشف أن الرفع انقلب خفض وعشنا موسم الصيف كله على شمعة ولمبة جاز وما زالت الكهرباء تقطع فى الشتاء! وأصبح من العادى اختلاط مياه الشرب بالمجارى وأن تصاب قرى بأكملها بالتسمم من الصرف الصحى، وأصبحت الطرق السريعة مخصصة للإبادة وليس للقيادة تركوها بمصائبها للقتل لا للنقل. وخصصت الشوارع للسريحة والبلطجية والباعة الجائلين ولا عزاء للمحترمين. كل هذه عينات من خدمات الدولة التى يتمتع بها المواطنين. نقلة جوهرية فى كل خدمات الدولة عادت بنا إلى سنة 60 (لكن كل ده كوم ومشروع الإسكان المتوسط للشباب كوم ثاني).
نحن أمام دولة تسعى لشقاء أبنائها وإتعاسهم ودفعهم دفعًا لدروب اليأس والإحباط. دولة يعيش سكانها على 7% من مساحتها الكلية وما زالت الحكومة بعد ثورتين تسقع الأراضى من باب المقاولات وليس السياسات.فهل من المعقول أن تتربح الدولة أكثر من القطاع الخاص وأن تستغل المواطنين أكثر من التجار. هل من الطبيعى أن تكون سياسات دعم الشباب المتوسط أن يبدأ سعر الشقة المائة متر من 250 ألف بالمحافظات النائية وأن يصل إلى نص مليون جنيه بصحراء التجمع الخامس؟ وأن يصل سعر الشقق الـ150 مترًا إلى 700 ألف جنيه على أربع سنوات ويصل سعرها إلى مليون ونصف لو تم التقسيط على 15 سنة.
وبذلك يدفع متوسط الدخل حوالى 8.3 ألف جنيه شهريًا. ولو افترضنا المستحيل وأن متوسط الدخل سيدفع نصف دخله لخمسة عشر عامًا لامتلاك شقة فهل الدخل المتوسط للشعب المصرى يصل إلى 17 ألف جنيه شهريًا هل يعيش المسئولون معنا فعلا أم يسكنون المريخ وزحل. ولماذا هذا الشطط فى مشروع قومى الهدف منه دعم الشباب لا تكسير طموحاتهم.
هل يعلم جهابذة الاقتصاد فى الحكومة أن أسعار الإسكان الخاص تضاعفت بعد هذا المشروع المشئوم أم أنهم كانوا يسعون لذلك قبل تطبيق الضريبية العقارية وجمع الجباية من الناس. هل قررت الحكومة أن تتاجر على الناس فى كل شىء بلا رحمة وتحت شعارات ساذجة من عينة مكافحة الفقر والعدالة الاجتماعية. هل من المعقول أن تشجع الدولة زيادة أسعار الإسكان بدلاً من مساعدة الشباب ومحدودى الدخل ومتوسطى الدخل فى الحصول على مساكن مناسبة بسعر تنافسى. يخلخل أسعار السوق ويحد من ارتفاعها بدلاً من أن يشجعها على التضاعف والتربح والدخول فى مزايدات عشوائية. هل من الطبيعى أن تبيع الدولة شققًا لمتوسطى الدخل بهذه الأسعار الخرافية وبالقرعة وبالسحب وكأنها فرص مجانية. والأرض أرضنا ومصانع الأسمنت والطوب خربت صدرنا.
للأسف نكتشف كل يوم اختلافًا كبيرًا بين ما يقال وما يحدث بين الوعود والواقع. كنا نسعى جميعًا لمرحلة من الاستقرار والتنمية والتطوير ولكننا نكتشف كل يوم أن الوضع من سيئ لأسوأ ولا نسمع من الحكومة من يرد أو حتى من يعلق. بل يبدو أن أى اعتراض يصنف على أنه إرهاب وأى رفض يعتبرونه انفلات، فإذا لم تجد من يسمعك بهدوء فأنت للأسف مضطر للصراخ.