«البيت اللى مافيهوش صايع.. حقه ضايع»، المقولة على لسان «ميشو» ابن صديقى مصطفى عبدالمنعم.. والحقيقة هى ليست مجرد كلمات قالها على سبيل التهريج أو البرمجة أو الصياعة، إنما هى حال أمة ووصف دقيق لما آلت إليه مصر من تردٍ ليس فقط على المستوى الأمنى إنما على المستوى الأخلاقى.
هى حقيقة تؤكدها حوارات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى، ويؤكدها الانهيار القيمى والأخلاقى، وتؤكدها الساحة السياسية، والأداء السلطوى، والعلاقات المجتمعية اليومية، حتى أن مستشار قانونى ورئيس ناد رياضى يتفاخر يوميا على الفضائيات، بأنه صايع وقليل الأدب!!
على مدار الأسابيع الماضية وجهت تركيزى لخطاب الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى، فيما يخص الصراع الاحترابى الدائر الآن بين أنصار الإخوان المسلمين، والموالين للرئيس المعزول محمد مرسى من جهة.. وبين المختلفين مع الإخوان وأنصار السلطة الحالية والحالمين بعودة نظام مبارك من جهة أخرى، هو يبدو فى التصنيف المنطقى خلاف سياسى، مثل الخلافات فى كل دول العالم بين الاتجاهات المتنافسة على الحكم، والساعية لإدارة بلادها بأساليبها المختلفة، مابين ديمقراطيين وجمهوريين وملكيين وشيوعيين واشتراكيين وأحزاب دينية.. إلخ، ولكنه فى بلادنا أخذ شكل الاحتراب القتالى حتى أن الطرفين تجاوزا موقف الرفض للآخر إلى موقف النفى، والعزل الذى وصل إلى حد المطالبة بالإبادة والقتل ونزع الجنسية.
هذه الحالة المصرية ليست مفاجئة، فعبر أنظمة متعاقبة على مصر طوال عشرات السنوات الماضية، كانت هناك سمة واحدة تجمع هذه الأنظمة وهى العدائية للمعارضة وتجريمها، ولهذا لم تخل السجون المصرية فى أى عصر من هذه العصور من معارضين للنظام، وأصبح عنبر السياسيين هو العنبر الوحيد فى السجون الذى لا يخلو من زبائن.
صديق لى على «الفيس بوك» يناقشنى حول الموقف من الإخوان ويبدأ بتوصيفهم بالخيانة للوطن، فلما سألته عن أدلته للخيانة، أجاب بأنهم مسؤولون عن التفجيرات الأخيرة، فقلت له إن التفجيرات الأخيرة جريمة مسؤول عنها من سيثبت قيامه بها، ولا تنسحب عواقبها على اتجاه فكرى أو عقائدى فيجرم، فأصر صديقى الشاب المُصدرة إليه حالة الاحتراب العدائى على موقفه، حاسما أدلته بمقولة قاطعة مانعة لأى نقاش «مجرد إنه إخوانى يبقى خائن»!! وهنا رُفعت الأقلام وجفت الصحف وانعدم النقاش.
هذا ليس حال طرف واحد، فالطرف الثانى الإخوانى يعتبر أن المؤيدين للنظام الحالى أتباع مغتصب، ملوثون بدماء الشهداء، مجرمون بل يصل الأمر بهم إلى حد إحلال دمهم ثأرا وقصاصاً.
أتذكر فترة حكم الدكتور الباشمهندس محمد مرسى، واستقرار الحال للإخوان فى البلاد، فاستلقت عناصرهم بكل ثقلها فى دوائر الحكم والإدارة والمؤسسات التى كان يشغلها قبلهم أعضاء الحزب الوطنى، وبنفس أسلوبهم الذى يقوم على عزل الآخر، وتمكين أهل الموافقة والثقة، أتذكر أن حالة تجريم المعارض آنذاك قد استمرت، رغم أن الجماعة الحاكمة قد عانت منه من قبل، وأتذكر حوارا مع صديق إخوانى «شهد صعودا لا متكافئ فى عمله هذه الفترة» وكان الحوار حول تقييم أحداث محمد محمود، وماسبيرو التى سقط فيها العشرات من الشباب شهداء، ففوجئت به يصرخ فى وجهى، «هم خونة يستحقون ما حدث لهم، هم دعاة فوضى أناركيين».. والحقيقى أن عبثى فى هذه اللحظة، جعلنى أفقد التركيز فيما قاله، وأركز فى سؤاله عن معنى الأناركى فلم يعطنى صديقى المنفعل أى رد، سوى إشارات وإيماءات تشير إلى أنه حاجة كده قليلة الأدب!!.
ما علينا..الشاهد أن كل الأطراف لاتختلف ولا تعرف معنى الخلاف، ولا طرق الخلاف، ولا كيفية التعايش مع الآخر ولا قبوله، الأطراف فى مصر تتحارب وتتقاتل على طريقة المجتمعات البدائية.
ومن السذاجة أن أطلب من السلطة الحاكمة تعليم الشعب قواعد الخلاف والاختلاف، فهذه السلطات المتعاقبة، لا أستثنى منها أحدا، هى السبب الرئيسى فى نشر سلوك الاحتراب لضمان استمرارها، والتغطية على سياستها المستغلة أو الفاسدة أو تبرير القمع، ولهذا فالقضية قضية شعب ومجتمع، ولن يحلها إلا شعب ومجتمع ينأى بنفسه عن هذا التدنى بتجاوز السلوك، والثقافة البدائية المفروضة عليه، إلى ثقافة العوالم المتحضرة، وإلا فستبقى مقولة «ميشو» هى السائدة، ثقافة «البيت اللى مفيهوش صايع.. حقه ضايع».!!