أحمد الجمال

من رفع قميص عثمان إلى رفع المصاحف أُبيدت الشورى

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014 12:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
القرآن الكريم هو كلمة الحق.. والدعوة إلى رفعه فى مظاهرات هو السلوك الباطل.. ونحن أمام حق يراد به باطل! لأنهم سلالة الذين فعلوها من قبل عندما أرادوا بالخديعة والضلال أن يهزموا الرجل العظيم الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه.

تعالوا نتذكر فربما نفعت الذكرى، ونستحضر اللحظة التى وصلت إلى التحكيم - آنذاك- فانتدب الإمام على صاحبه الصحابى الجليل أبا موسى الأشعرى، وانتدب معاوية عمرو بن العاص، واتفق المحكمان على خلع كل من الإمام ومعاوية، وقررا إعلان القرار على الناس ليحقنا دماء المسلمين، وأصر عمرو بن العاص على أن يتقدم أبوموسى أولا، لأنه - حسب رأى عمرو - الأكبر سنا والأسبق إسلاما والأحفظ قرآنا، وخرج الرجل وأعلن أنه يخلع عليا كما يخلع سيفه من غمده، وأخرج السيف من الغمد.. ثم تقدم عمرو وأعلن أنه يثبت معاوية كما يثبت سيفه فى غمده ووضع السيف فى الغمد «الجراب»!

واشتعلت الحرب وتقدم الإمام - كرّم الله وجهه - ونادى معاوية كى يتبارزا وحدهما حقنا لدماء المسلمين، فرفض معاوية، فكرر الإمام العرض: «إذن رجل منا ورجل منكم»، فرفض معاوية وبدأ رفع المصاحف على أسنة الرماح لينشق معسكر الإمام، ومع ذلك خاض الإمام المعركة التى انتهت، ومضت الأيام، وفيما يجلس معاوية مع عمرو أراد الأول أن يسخر من الثانى، فقال له: أتذكر يا عمرو عندما هاجمنا على واقترب منك فأردت أن تحمى نفسك بأن كشفت عن سوءتك؟ يقصد الواقعة التى حدثت عندما أدرك عمرو أنه هالك بسيف الإمام فلم يملك إلا أن يستدير ويكشف عن مؤخرته، وإذا بالإمام يدير وجهه، لأنه لا ينظر عورة قط.. ومن هنا كرّم الله وجهه!

وبعد أن انتهى معاوية، رد عمرو قائلا: أذكر يا معاوية لأننى كنت إلى جوارك وقد شممت خراءك فى ثيابك!.. وكانت مكافأة عمرو بأن تم تثبيته فى ولاية مصر التى كانت تمد دار الخلافة باثنى عشر ألف ألف دينار، وعندما مات عمرو كان فى تركته أربعون جلد ثور ممتلئة بالدنانير الذهبية!

منذ ذلك التاريخ لم تتوقف آثار الجريمة.. جريمة اتخاذ كتاب الله درعا فى الصراعات السياسية الدنيوية البحتة.. وهى جريمة ليست قصرا على أولئك الذين فعلوها فى ظل الإسلام، وإنما فعلها من بعدهم مَن رفعوا الصليب على أسنة رماح الغزو الأوروبى للشرق، تحت دعوى استرداد مهد المسيح وكنيسة القيامة، وكانت دعوة البابا أنوسنت لجحافل الرهبان أولا لهذه الحرب المقدسة - من وجهة نظر البابا - وانخرط فيها آلاف البشر يحملون الصلبان ويرتكبون أبشع الجرائم، ليس فقط ضد المسلمين وإنما ضد المسيحيين فى بلاد الشام بمعناها الجغرافى الواسع «سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن»، وأيضا مصر، ومن يقرأ وقائع الحملات الصليبية أو حملات الفرنجة يعرف ماذا حدث بالضبط.

وأعود إلى نقطة التحكيم ورفع المصاحف التى كانت إحدى محطات الفتنة الكبرى، لأقول إن السياق الذى ترتب عليها كان هو جوهر المحنة العظمى التى عصفت بالجانب السياسى فى كل مسيرة ما يسمى بالخلافة الإسلامية، ولقد سبق قبل رفع المصاحف أن رُفع قميص عثمان المخضب بدمه، رفعه الأمويون فى مواجهة الخليفة الشرعى، رابع الراشدين سيدنا على، ورغم أن الإمام على أثبت أنه لم يكن ضالعا فى مصرع عثمان، وأنه كلّف ولديه الحسن والحسين - ومعهما أخوهما محمد بن الحنفية وآخرون - بالذهاب لمنزل عثمان ومقاومة الثوار وحماية ابن عفان، إلا أن معاوية قد استفرد بولاية الشام وحرّض أهل الشام ضد الخليفة الرابع وشق الصف وأعلن التمرد، ثم كان ما كان فى التحكيم والاحتكام. إذن فنحن أمام ظاهرة احتراف وضع الحق فى خدمة الباطل، لأن القصاص لعثمان كان حقا ولكن توظيفه فى الشقاق والتمرد والمغانم كان باطلا..ونحن كما سبق أن أشرت أمام سياق سياسى اختل تماما منذ أن حمل عثمان بنى أمية على رقاب الناس ووضع أقرباءه فى مواقع لم يكونوا أصلح الناس لتوليها، ومنهم وضعه لأخيه فى الرضاع، عبدالله بن أبى السرح، على ولاية مصر، ففتك بأهلها وعانت مصر - كما يقول المؤرخون المعاصرون - أول شدة يتعرض لها أهلها فى ظل الإسلام.

خلل السياق السياسى تمثل فى الإهدار الكامل لمبدأ الشورى وقاعدة الارتكاز على معيار التقوى فى المفاضلة بين الناس، وحيث ينصرف معنى التقوى ومضمونها إلى مجمل سلوكيات الإنسان، وليس فقط الجوانب الطقسية، وحيث العدل هو عمود التقوى وعمادها!

لقد اتجه معاوية فور تمكنه من الحكم بالوسائل الباطلة التى اتخذها إلى تحويل الخلافة من مهمة هدفها خدمة الناس إلى ملك وراثى عضوض ينتقل من الأب لابنه ولأقربائه، وكان أخذ البيعة ليزيد بن معاوية غصبا وبالقوة، ويذكر التاريخ أن معاوية أمر معاونيه بدخول المسجد واستلال السيوف ووضعها على رقاب بعض من تبقى من كبار الصحابة - ومنهم عبدالله بن عمر وعبدالله بن العباس وعبدالرحمن بن أبى بكر- ليعلنوا البيعة ليزيد أو يصمتوا فلا ينطقوا، ولم يعرف الحكم الأموى ومضة ضوء إلا فى ظل عمر بن عبدالعزيز، الذى لم يتورع عن ذكر مظالم الأمويين، وعن محاولة نزع الغطرسة الإمبراطورية من نفوسهم، وعندما مات ابن عبدالعزيز عادت ريمة إلى أسوأ عاداتها القديمة.. ولم يختلف العباسيون فى المجال السياسى.. أى مجال الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكومين عمن سبقوهم، فكان تنكيلهم بمن تبقى من آل بيت النبى أفظع من تنكيل الأمويين، ولم يترددوا عن استخدام الأسلوب نفسه.. أسلوب وضع الحق فى خدمة الباطل.. لأنهم، وفى مواجهة الاتجاه الذى ناصر عليا وأبناءه، رفعوا شعارا هو أن الحكم للرضا من آل محمد.. أى الذى يرتضيه الناس من آل النبى محمد، بالمعنى الواسع الذى يرى أن العم، وهو العباس، أقرب للنبى وأولى بالحكم من ابن العم وهو على، كرم الله وجهه!

واستمر العباسيون فى مصادرة المبدأ والقاعدة.. مبدأ الشورى وقاعدة التقوى.. وكان منهم السفاح، وكانت على أيديهم المذابح، حتى لأقرب من خدموهم «البرامكة».. والعجيب أن مصر المحروسة لم تفلت هى الأخرى من الفتك.. فكما فتك بها ابن أبى السرح فى أمر الجزية والخراج، «أربعة عشر مليون دينار فى سنة واحدة»، فتك بها المأمون العباسى عندما ثار المصريون، مسلمين ومسيحيين، ضد الظلم والعسف، فكان أن جاءها المأمون بنفسه وأباد أربعين ألفا من رجالها دفعة واحدة.

ذلك غيض من فيض أحداث التاريخ الأسود للجانب السياسى فى الخلافة، وهى أحداث بدأت جنينية فى عهد عثمان، الذى اعتبر الحكم ثوبا كساه به الله سبحانه وتعالى «سربلنيه الله».. ومن ثم لا يجوز لأحد أن يخالفه أو يعارضه أو ينزع الحكم منه، ثم صارت مع معاوية بناء استبداديا مكتمل الأركان، اعتمادا على حق أريد به باطل.. التحكيم والاحتكام برفع المصاحف على أسنة الرماح.. ترى هل قرأ الذين قرروا رفع المصاحف الآن تلك الأحداث وتدبروها وأعملوا عقولهم فيها؟ الإجابة: لا أظن.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة