على الرغم من أن اختيار أى شخص ليتولى «منصب الوزير» يتوقف على عدة اعتبارات تتعلق بكون هذا المنصب عملاً سياسياً فى المقام الأول، فإنه من البديهيات أيضاً أن يتم الاختيار بناء على مؤهله العلمى خاصة حينما يتعلق الأمر بالوزارات شديدة التخصص.
الأمر الذى يجعلنى أتوقف طويلاً أمام اختيار المهندس هانى ضاحى وزيراً للنقل، على الرغم من أنه لا يمت لقطاع النقل بأى صلة، حيث إنه خبير فى مجال المنتجات البترولية، فهل يعقل أن يتولى أى شخص وزارة مهمة مثل وزارة النقل التى تتطلب أن يكون وزيرها خبيراً فى مجال النقل، فالمسألة لا تحتمل أى اجتهادات لأن مشكلات هذا القطاع ليست سهلة أو بسيطة، وإنما هى مشكلات مزمنة وفى حاجة إلى وزير يمتلك من القدرات الشخصية والمؤهلات العلمية ما تجعله قادراً على اجتياز الصعب والتعامل مع المشكلة بفكر ورؤى تمكنه على المدى القريب والبعيد من أن يترك بصمة واضحة فى هذا المجال.
نعم إن وزارة النقل من أهم الوزارات التى تتعامل مع المواطنين بشكل مباشر، والتى يكون الخطأ فيها فادحا وظاهراً للجميع رأى العين، وللأسف الشديد، فإن كوارث وزارة النقل تخلف وراءها الكثير والكثير من الضحايا الذين تذهب دماؤهم هباءً، حيث لم نأخذ من المسؤول الأول عن تلك الوزارة سوى التصريحات الإعلامية الفضفاضة التى لا تثمن ولا تغنى من جوع، فكوارث هذا القطاع من الوزن الثقيل، لذا فإنها تبلغ ذروتها بإقالة هذا المسؤول أو ذاك، وتبقى أحزان المواطنين تعتصر القلوب.
ومع الاحترام الكامل لشخص المهندس هانى ضاحى وزير النقل، إلا أننى أرى اختياره وزيراً للنقل لم يكن موفقاً ولم يأت فى محله، والدليل أنه بعد كل هذه الشهور التى مرت على توليه منصب وزير النقل، فإنه لم يفعل شيئاً يذكر أو يقدم لنا إنجازاً كبيراً أو مؤثرا يشعر به المواطن الذى ظل لسنوات يتجرع مرارة فوضى النقل والمواصلات التى تمثل شبحاً مخيفاً لكل مواطن يسير فى شوارع المحروسة ابتداء من الإسكندرية إلى أسوان، سواء كان متنقلاً بالسيارات أو القطارات أو حتى عبر وسائل النقل النهرى.
ربما يحلل البعض مسألة اختيار المهندس هانى ضاحى وزيراً للنقل بأنه وزير سياسى قادر على إدارة هذا القطاع دون الحاجة إلى التخصص فى مجال هندسة النقل والمواصلات، وهذا فى رأيى يمثل مغالطة فى منتهى الخطورة، لأن هذا المجال يتطلب خبيراً يعرف أدق التفاصيل، فالتخصص مطلوب فى قطاعات بعينها بل هو من أهم وأبرز معايير الاختيار، فعلى سبيل المثال: هل يعقل أو يتم اختيار وزير الصحة من خريجى كلية الزراعة التى هى فى دراستها بعيدة كل البعد عن علوم الطب، وهل من اللائق أن يكون وزير المالية من خريجى كلية الحقوق التى لا يعرف خريجوها شيئا عن علوم الاقتصاد وأساسيات المال والأعمال والحسابات.
وهنا أرصد بعض المشكلات التى يعانى منها قطاع النقل ولم تشهد أى تقدم ولو حتى خطوة إلى الأمام فى توقيت تشهد قطاعات الدولة الآن حالة نشاط غير مسبوق، حيث تتسم حكومة المهندس إبراهيم محلب بالديناميكية التى تعكس حركة أكبر وأشمل للقيادة السياسية التى تسعى جاهدة نحو تحقيق نهضة حقيقية فى كل مجالات الحياة.
وقبل الخوض فى تفاصيل المشكلات المتعلقة بقطاع النقل علينا التسليم بمسألة مهمة، وهى أن هذه المشكلات لا ترجع إلى قصور الإمكانات؛ وإنما ترجع إلى أن وزراة النقل لا تمتلك أى تصور عن الاستخدام الرشيد للإمكانات المتاحة فى قطاع النقل وأولوياتها فى تطوير المنظومة، وللأسف الشديد لو وجدت تلك التصورات فإن كلها تذهب من فشلٍ إلى فشلٍ؛ بسبب اعتمادها على حلول وقتية تتسبب فى تعقِّد المشكلة، فيكفى أن نعرف أن %80 من السياسات الخاطئة لوزارة النقل هى سبب المشكلة الحاليَّة للمواطن مع المواصلات فى جميع أنحاء مصر.
وحينما نتناول مشكلات النقل، فإنه يتبادر إلى الأذهان على الفور تلك الحوادث المأساوية التى لا يمكن نسيانها بسهولة وأبرزها حوادث مزلقانات السكك الحديدية التى تتكرر باستمرار، وفى كل مرة نسمع تصريحات وقرارات من وزارة النقل دون أو يكون لتلك القرارات الانفعالية أى وجود على أرض الواقع.. فماذا فعل المهندس هانى ضاحى وزير النقل لمنع وقوع تلك النوعية من الحوادث التى تعصر القلوب من شدة قسوتها.. فالقطارات من أهم وأبرز وسائل المواصلات وهى تستخدم للتنقل خارج المحافظات، ولكنها للأسف الشديد هى وسيلة مواصلات تعانى من بعض المشكلات مثل عدم الاهتمام بإجراءات الصيانة الدورية، كما أنه يجب توفير خطط مدروسة لصيانة جرارات القطارات والعربات تأميناً لحياة المواطنين، يضاف إلى ذلك تطوير جميع محطات السكك الحديدية الرئيسية، واستخدام وسائل تكنولوجية حديثة، ومنع الباعة الجائلين من ركوب القطارات وتفعيل دور رجال الشرطة داخل وسائل النقل لمنع الأعمال غير القانونية، كالشغب والسرقة والتحرش وغيرها، لتوفير الأمن لجميع المواطنين، كما ينبغى على وزارة النقل أيضاً إدخال شبكة إلكترونية تربط جميع المحطات والقطارات لإيجاد نوع من الضبط الآلى مع ضرورة توفير كل وسائل الأمن والحوافز المادية والتأمين الاجتماعى والصحى لكل عامل يخدم تلك القطاعات، وكذلك إعادة تأهيل العامل لكى يكون قادرا على تقديم الخدمة بشكل متحضر وراق داخل هذه القطارات.
وإن لم يكن قد فعل وزير النقل شيئاً فى هذا الجانب المهم أكثر من تلك التصريحات التى نقرأها بين الحين والآخر، فإنه ليس غريباً أو نرى هذا المستوى المنحدر فى الطرق السريعة التى تحولت مؤخراً إلى ما يشبه مصائد الموت، فقد أصبحت تلك الطرق مصدر خوف ورعب لكل مواطن يشاء حظه العاثر أن يقوم بالسفر بشكل اضطرارى مستخدما تلك الشبكة السيئة من الطرق المتهالكة والتى تفتقر لأبسط أساسيات الأمان. وحتى تكتمل الصورة المأساوية لحال قطاع النقل فى مصر علينا أن نذهب إلى مشكلة أخرى تشكل عبئا ثقيلاً على المواطنين، وهى النقل النهرى الذى يعيش الآن فى غيبوبة.. بل أصبح بقدرة قادر فى عداد الموتى على الرغم من أن هناك الكثير من الدراسات العلمية الدقيقة والمهمة تشير إلى أن النقل النهرى، لو تم استخدامه بالشكل الأمثل فإنه كفيل بحل جزء كبير من أزمة النقل فى مصر، ليس فقط نقل الركاب بل فى نقل البضائع على طول نهر النيل من الإسكندرية إلى أسوان، نظرا لأن هذا النوع من النقل قليل التكلفة ولا يتسبب فى الأزمات المرورية الخانقة التى يعانى منها الشارع المصرى.. لذا أتساءل أين وزير النقل من هذا الأمر، ولماذا هذا الصمت المطبق على تلك الحالة السيئة التى صار عليها النقل النهرى.
والحديث عن النقل النهرى يقودنا بالضرورة إلى تلك الأزمة التى يعانى منها النقل البحرى، فصناعة النقل البحرى على الرغم من أنها تمثل طوق النجاة للاقتصاد المصرى، فإنه فى حاجة إلى ثورة إدارية لانتشاله من مستنقع الفساد الذى استشرى فيه وفاحت رائحته التى أصبحت تزكم الأنوف.. لذا لا بد من إعادة النظر بشكل شامل فى منظومة النقل البحرى المصرى وجميع العقود التى تم توقيعها، وكانت سبباً فى إهدار المال العام.. وأعتقد أن هناك أسبابا كثيرة أدت إلى تدهور هذه الصناعة منها أسباب تاريخية تم توريثها من جيل إلى جيل، ولكن أهم هذه الأسباب أن وزارة النقل لا تتعامل مع هذا القطاع على أنه قطاع اقتصادى فى إمكانه أن يدر دخلاً للدولة ولكن التعامل معه على أنه قطاع خدمى يكمل الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى أن التطوير الذى تم فى الموانى المصرية من خلال خطط وزارة النقل كان شكلياً وليس جوهرياً بمعنى أنه لا يرفع من مستوى الأداء ولا معدلات الشحن والتفريغ، بالإضافة إلى الإجراءات العقيمة التى تعطل السفن، كما أن هذا القطاع يسبح فى مستنقع فساد، فلو قارنا أى ميناء بحرى فى أى دولة عربية بميناء السويس مثلا، فإننا سنجد أن الفروق لا يمكن حصرها والفجوة بينهما لا يمكن ضمها.
وحتى لا يفسر أحد بشكل خاطئ ما أكتبه الآن عن المهندس هانى ضاحى وزير النقل، فإننى أود التأكيد على مسألة فى غاية الأهمية وهى أننى أكتب منتقداً سياساته فى هذا المجال الحيوى، وليس مجرد نقد شخصى.. فالشارع المصرى يعيش الآن حالة من الغضب الشديد اعتراضا على منظومة النقل التى تتدهور يوماً بعد الآخر.. وكان وزير النقل يتعامل مع الأزمة بـ « ودن من طين وودن من عجين».