أجل.. براءة مبارك كانت حتمية، فالقاضى الجليل محمود الرشيدى تعامل مع أوراق القضية التى تجمعت أمامه وفقا لقانون العقوبات، وبالتالى لا ضرورة للإحباط العام الذى أمسك بنفوس المصريين بعد أن حظى مبارك وزبانيته أمس بنعمة البراءة من قتل متظاهرى يناير 2011 ومن بيع الغاز الطبيعى لإسرائيل!
لا نعلق على الأحكام، بل نحترم قضاءنا المصرى الجليل ونفخر به، لكننا نحاسب أنفسنا عسى أن نتعلم من دروس ثورة يناير المغدورة، تلك الثورة التى خرج فيها الشعب بالملايين مدججا بغضب عارم ضد الظلم والفقر والاستبداد، وتمكن بالفعل من أن يطرد مبارك من عرين السلطة لكنه أخفق تمامًا فى استلام السلطة وإدارة مرحلة ما بعد مبارك!
لماذا أخفق الشعب؟ لأنه لم يستطع امتلاك نعمة التنظيم السياسى فى أحزاب ثورية حقيقية ذات أهداف محددة وبرامج واضحة.. أحزاب قادرة على التغلغل فى الشارع وحشد الطبقات الفقيرة والوسطى وراء برامجها، فلما تندلع الثورة تتضح أمام الملايين معالم الطريق الذى يجب أن تتخذه لبناء دولة عصرية مدنية حديثة.
لكن للأسف، لم يكن الشعب منظمًا فى أحزاب سياسية، ولم نعرف جميعًا تاريخ الثورات وقوانينها، ولم نفهم أبدًا أن الثوار إذا لم يستلموا السلطة السياسية عقب اندلاع الثورة، فستلتف الطبقة القديمة وتناور وتداور لتستعيد عافيتها وسلطتها وتضع الثوار فى السجون! كنت أتعجب حين أشاهد الشباب الثائر يفخر عن جهل مخيف بأن ثورتنا ليس لها قائد، وأتساءل: ماذا قرأ هؤلاء عن أدبيات الثورات وتاريخها؟ وكيف يتحدثون بهذه السذاجة - المراهقة السياسية إذا شئت الدقة - عن مستقبل وطن يستميت فيه رجال الطبقات القديمة كى يعودوا ويتحكموا؟
أجل.. براءة مبارك كانت حتمية، وكما توقعت أمس فى هذا المكان أن غباء الإخوان وراء براءة مبارك، لأنهم فجروا وهددوا وقتلوا، فتم إلصاق كل دم سال فى الميادين والشوارع بالإخوان، وهكذا نال كبار رجال وزارة الداخلية البراءة، رغم أنهم كانوا يحكمون البلد فى يناير 2001!
للمرة الألف.. أقول: يجب أن ندرس تاريخ الثورات فى العالم جيدًا، حتى لا تقتلنا الحسرات على شهدائنا!