طالما تحدث الأقدمون عن ثقافة الاختلاف التى لا تفسد للود قضية بل إن أعمدة الفلسفة الإغريقة أرسطو وأفلاطون قد اختلافًا دون تسفيه فعندما قدم أرسطو نقده لنظرية المُثل لدى أفلاطون لم يقم بتسفيه آرائه أو صَب جام الغضب أو الوصف بالجهالة بل عارضه فى هدوء ومنطق قد تشكك فى صحته أو تؤيده ولكن الثابت إنه لم يعتبره مضللًا أو تافهًا.. إلخ من أوصاف، وحتى بعيدًا عن الخلاف الفلسفى الذى طالما احتدم بين فلاسفة ومفكرين مثل نقد هيجل للأديان أو ربطه الفكرى بين الفنون وتطور المجتمعات لم يتعمد قط أن يصيب بكلامه إلا منطق المخالفين ولن يتطرق الكاتب حتى لخلافات ابن رشد لمعاصريه ولكن حتى الخلافات الفقهية فى مرحلة ما أطلق عليه «فجر الإسلام» كان الخلاف والاجتهاد والمناقشة كل منها مقبول حتى ما عرف عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب فى نقاشه الشهير حول المهور مع ليلى بنت عبدالله «الشفاء» والذى انتهى بصواب رأى ليلى وهو ما دفع عمر لإطلاق جملته الشهيرة «أصابت امرأة وأخطأ رجل».
لعل تلك السطور السابقة مدخل مفهوم للجدل الدائر داخل المجتمعات العربية خاصة فى الأوساط المسلمة منها والذين لا يشكلون فى جميعهم ما لا يزيد عم 25% من عدد مسلمى العالم إلا أنهم الأكثر تأثيرًا وتأثرًا فى حركات مد وجزر متتابعة على مدار قرنين من الزمان نظرا لاعتبارات التطور الاقتصادى فى العالم مما أثر على مجريات السياسة بل إن جمود الأفكار الذى أصاب هذه الأوساط منذ أكثر من 400 سنة وجد حاضنة أخرى له فى أوساط دينية أخرى لا تقل عنه جمودا فى الشرق تحديدًا مثل الأوساط الأرثوذكسية المصرية فكلا الوسطين (إسلامى / مسيحى) عانى كل المعاناة خلال تلك الأعوام من التحجر والوصاية الرمزية لأصحاب العمائم فنقل ذلك بشكل تلقائى للمجتمع العربى فى عمومه إلا أن دخول المجتمع المصرى فى سياق ثقافة البحر المتوسط منذ حكم محمد على وحتى ثورة يوليو قد حال دون تفشى هذا الداء الذى كاد يعصف بتلاحم الطائفتين الدينيتين الأكبر (الإسلام والمسيحية) فى نهاية القرن التاسع عشر بدعوى أن كل مسيحى هو تابع لدولة التاج البريطانى (المسيحية) وبالتالى فهو عميل وخائن ولعل هذا هو الدافع الرئيسى وراء رفع شعار (يحيا الهلال مع الصليب) أثناء حراك ثورة 1919، وعليه لم يكن للحركات المتشددة دينيا على الجانبين حضورا فعليا فى المجتمع إلا بعد تفريغ المجتمع المصرى من تعدديته الثقافية. وقد يجد المتابع أنه حتى فى قلب الحركات التقدمية اليسارية بدا التطرف الفكرى يجد صدى واسعا بين مركباتها الفردية وكذا هو الحال لدى الحركات التى وصفت نفسها بالإسلام السياسى. وبالعطف على ما سبق ستجد أصحاب العمائم السوداء من الأرثوذكسية المصرية قد تعاملوا بالمثل مع الإنجيليين بالتهميش والتسفيه، وحتى الرأسمالية المتوحشة التى تكاد تنقرض من المسارات الاقتصادية العالمية وجدت لها أرضا خصبة فى مصر على يد السلفية الرأسمالية العربية، هنا ستجد أن المجتمع العربى يستطيع بامتياز أن يلعب دور الحاضنة المثلى للتطرف على أشكاله المتعددة وهو ما تدركه كل القوى الدولية وتستغله بمهارة فلا تتعجب عزيزى القارئ وسيدتى القارئة من أفعال داعش وأفكارها فغالبية المجتمع هو دواعش يرفضون الآخر دون محاولة للمناقشة التى قد تأتى بقناعة جديدة أو فهم ولو يسير أو حتى تفهم لفكرة، نجد فيما بيننا دواعش الإخوان ودواعش الناصرية ودواعش الاشتراكية الثورية ودواعش يناير ودواعش يونيو بل ودواعش السيسى، ذهابا حتى دواعش الذاتية المفرطة.. الكل يصيب والكل يخطئ، وعلى ما يبدو فنحن قوم بعيدون عن السياسة كبعد المشرق عن المغرب.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ATEF
السادة المحترمين
عدد الردود 0
بواسطة:
رضاك ياالله
"رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب "