ولهذا فسوف يتم الفصل بين الديكورات بفواصل موسيقية توحى بطبيعة الحدث الذى سوف يتم فى هذا الديكور، وتقع أحداث المشاهد فى أزمنة مختلفة وأماكن مختلفة، ولا يربط بينها غير الخيط العام للمسرحية «ولماذا لا تكون الرواية كذلك؟» تصب كلها فى وصف الوضع العام بما فيه من القمع والطغيان والسوداوية، الذى يتنبأ بحدوث كارثة ما، فاستخدام أغنيات للكورس التى تسبق المشاهد، وكذلك استخدام الفواصل الموسيقية قبل تغيير الديكور فى كل مشهد، كنوع من المزج بين التحريض والتسلية «مرة أخرى لماذا لا تكون الرواية كذلك؟».
وقد حاول «شخص آخر» ألا يكون تصرفه معى - أنا الراوى - هو أن يقهرنى على اختيار «الشكل المسرحى»، بل حاول جاهدا أن يقنعنى بسهولة ومكر حقيقى، فأخذ يذكرنى بقراءاتى فى «مجلة المسرح»، وحبى للمقالات النقدية التى كان يكتبها «الدكتور محمد مندور» والدكتور «لويس عوض» ومسرحيات «ميخائيل رومان»، وكل المسرحيات التى كانت تنشرها «الهيئة العامة للكناب» لكتّاب مسرح عالميين مثل «يوجين أونيل» و«جان جينيه» و«إبسن» و«جان أنوى» و«ستراندبرج» وطبعا «شيكسبير» و«بريخت»، طبعا الذى وضح لى تماما تأثرى به هو و«بيتر فايس»، وكذلك المسرحيات التى حضرت لرؤيتها من الإسكندرية على خشبة «المسرح القومى» بميدان العتبة عندما كان «محمود يس» يصرخ بكلمات «جيفارا»؛ فذكّرت «شخصا آخر» أنا أيضا بأنه كان مثلى يعشق روايات «هيمونجواى» و«شتاينبيك» ومن قبلهما «نجيب محفوظ» و«حنا مينا»، وكل الروايات المترجمة لكتاب عالميين مثل «فوكنر» و«ديستويفسكى» و«تولوستوى» و«تشيكوف» و«كافكا»؛ ولكنى لن أنكر أنى قد حاولت كثيرا التخلص نهائيا من «شخص آخر» منذ عدة سنوات، وتحديدا عام 68 بعد خروجى من القوات المسلحة التى كنت مجندا بها منذ عام 66، حيث كنت أسمعه دائما يوجهنى ويخبرنى بآراء لا يعرفها أى أحد إلا هو حيث أصر أبى – رحمه الله – على أن الشيخ «قنديل» يمكن أن يبعد عنى «شخص آخر» بشكل نهائى على اعتبار أن «شخصا آخر» هو مجرد شيطان بائس سكن بدنى.
لكن الشيخ «قنديل» أشار على أبى بأن يعرضنى على طبيب نفسى بالقاهرة اسمه «يحيى الرخاوى» فى عيادته بجبل المقطم، وهو الذى هنأنى على وجود «شخص آخر» معى بهذا الذكاء وتلك الموهبة، وقال لى يومها الدكتور «يحيى الرخاوى» بأن «شخصا آخر» هذا سوف يكون سببا فى شهرتى فى يوم من الأيام لأنه يعرف ويرى أشياء لا يمكن أن أراها أنا بدونه، ولأن ملازمته لى وتحكمه فى أحيان كثيرة فى تصرفاتى وأقوالى، وسوف تكون هى الحقيقة الوحيدة فى حياتى، وبالتالى لا بد لى منذ البداية أن أعترف بتدخل «شخص آخر» كثيرا فى مصير هذه الرواية «كما يراها شخص آخر أو المسرحية كما أراها أنا»، إلا أنه حاول إجبارى على تقديمها فى شكل رواية، ولكننى قاومته دائما حتى يكون كل ما حدث بالطريقة التى أراها أنا ملائمة على الأقل لمتعتى الشخصية فى كتابة المسرحية تقليدا لمسرحية بريخت «البؤس والخوف فى الرايخ الثالث» أو مسرحية «جيفارا» التى كتبها «ألفريد فرج»، فأنا لا أحكى إلا لسببين: السبب الأول لا أعرفه جيدا ولست متأكدا منه، أما السبب الثانى فهو المتعة الشخصية التى أتحصل عليها أنا شخصيا أثناء وبعد انتهاء الحكاية، ولا أدرى هل وفِقت فى ذلك أم أن «شخصا آخر» قد فرض سيطرته على فى أحيان كثيرة؟ مع أن «شخصا آخر» لم يكن قد ظهر فى حياتى أثناء تلك الأحداث التى سوف أحكى عنها هنا، وسوف نكمل بقية الاعترافات لاحقا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة