بدأت أمس الحديث عن الإدانة السياسية لمبارك ونظامه رغم براءته قضائيا من تهمة قتل المتظاهرين، وأستكمل.
كان السير بالحذاء على القانون سمة من سمات نظام مبارك، وكان تعديل القوانين يتم لأغراض شخصية، ويمكن ذكر عشرات الأمثلة فى ذلك، والتى أمدت فى بقاء وجود المسؤولين على كراسيهم بالرغم من بلوغهم سن المعاش، مما جعل دولة مبارك دولة الشيوخ بامتياز، لم يكن الإبقاء على هؤلاء لكفاءتهم وإنما لولائهم ونفاقهم، وبعد ثورة 25 يناير وفتح الملفات، تأكد أن هؤلاء تركوا خرابا خلفهم، ويمكننا أن نستدل على ذلك فى قطاعات مثل المؤسسات الصحفية الرسمية، وفى شركات قطاع الأعمال، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
فى الملفات الأخرى سنجد تدهور الجامعات المصرية، ففى عهد مبارك خرجت من أى تصنيف عالمى، وجاء ذلك فى سياق تراجع دور العلم والعلماء، وأصبحت الفهلوة هى السائدة، ولم يعد هناك مجال للبحث العلمى الجاد الذى يقود مصر إلى التطور والتقدم، كانت المعامل العلمية فى الجامعات ومراكز البحوث تعانى من الإهمال حد الموت، فى الوقت الذى ترتفع فيه ميزانيات الإنفاق على مظاهر البذخ، لم تفتح الدولة الآفاق لأفكار أو خطوات بحثية ملهمة.
لماذا أصبحت مصر فى عهد مبارك من أعلى الدول التى تفشت فيها ظاهرة أطفال الشوارع؟، هى فاقت فى ذلك دول أمريكا الجنوبية التى انتشرت فيها هذه الظاهرة، لم يتصد النظام لمعالجتها، بل تركها تتزايد يوما بعد يوم، حتى أصبحت خطرا يهدد الجميع، وإلى جوارها انتشرت ظاهرة التسول فى الشوارع فى دلالة كبيرة على ارتفاع نسبة الفقر، فى الوقت الذى كانت فيه عمليات النهب والثراء غير المشروع تتعاظم يوما بعد يوم.
شهدت مصر عملية نهب منظم وبالقانون فى عهد مبارك، حدث ذلك فى شركات توظيف الأموال فى ثمانينيات القرن الماضى، وحدث فى نهب الأراضى، حيث تم بيعها للمحاسيب وأصحاب النفوذ، ومن السهل الآن أن يأتى أى مواطن بورقة وقلم، ويكتب فيها أسماء الذين حصلوا على آلاف الأفدنة بأبخث الأثمان، وبعضهم قام بتسقيعها وبيعها بالمليارات، وبعضهم حولها إلى منتجعات خاصة، وكان يحدث ذلك فى الوقت الذى لا يجد فيه الشباب فرصة عمل، وبدلا من توزيع هذه الأرض عليهم وعلى المعدمين، كان يتم منحها لأصحاب النفوذ والحظوة دون أى وازع لضمير، وترتب على كل ذلك عودة النظام الطبقى بامتياز، وتقسيم المجتمع بين طبقة إقطاعيين ورأسماليين جدد ويمثلون قلة قليلة، وبين أغلبية ساحقة تعيش فى فقر بالغ، تعانى من الإهمال فى كل شىء.
كانت عملية نهب الأراضى واحدة من أكبر عمليات النهب المنظم التى شهدتها مصر فى عهد مبارك، ولعل ما يحدث الآن من عملية استعادة لبعضها كما يجرى على طريق مصر إسماعيلية، وطريق مصر إسكندرية الصحراوى دليل على ذلك.
بلغ الفساد فى هذا الملف مبلغه، لم ينتبه النظام إلى خطره لأنه كان من صنعه، كان تعبيرا عن تزاوج الثروة بالسلطة، كان تعبيرا عن انحيازات النظام المضادة للفقراء، كان تعبيرا عن أن رأسمالية المحاسيب هى التى تتحكم فى كل شىء وأى شىء.. وغدا نتبع.