رغم أن القاضى الجليل محمود كامل الرشيدى حكم لمحمد حسنى مبارك بالبراءة، فإنه كان واضحا فى حيثيات الحكم بأن تلك البراءة جاءت فى الاتهامات الواردة بتحقيقات النيابة فى قضية قتل المتظاهرين 2011 وليست لجرائم سياسية ارتكبها ونظامه لسنوات طويلة.
براءة مبارك لا تعنى لنا انتهاء المطاف، قد تصيبنا بالإحباط قليلا، لكنها تدفعنا نحو ما هو أهم، نحو محاكمة سياسية حقيقية، نحو تعديلات تشريعية عن العدالة الانتقالية، عن وسائل جديدة للعدالة فى أوقات الثورات غير قانون الإجراءات الجنائية المعيب بكل تعقيداته، نحو محاسبة حقيقية.
بيننا وبين مبارك، ثأر، ليس فقط ثأر دم الشهداء، ولكن ثأر فيروس تخلل فى الجهاز الإدارى للدولة لسنوات طويلة انتهت بأحداث وكوارث هو ووزرائه ونظامه سببها الأساسى، ثأر الفساد الذى انتشر من أكبر وزير فى حكومتة إلى عامل «البوسطة» فى مكتب البريد.
لن ننسى جرائم مبارك وسنحاكمه يوما عليها، لن ننس 1400 مصرى شهداء العبارة السلام 98 وقت أن كان يشاهد مباراة كرم قدم فى الاستاد، لن ننس شهداء حوادث قطار الصعيد التى تكررت دون أن يقدم أى اعتذار، لن ننسى رشاوى الوزراء ووكلائهم، لن ننسى آلاف الأفدنة التى حصل عليها رجال الأعمال من الأصدقاء والأقارب دون وجه حق، لن ننسى قراراتك الاقتصادية الخاطئة بخصخصة شركات قطاع الأعمال العام وإهدار مال الدولة، لن ننسى تدميرك للتعليم المصرى بعد تجاهلك تطوير المدارس والمناهج، لن ننسى آلاف المرضى الذين يفارقون الحياة يوميا بسبب تأخر قرار للعلاج على نفقة الدولة، لن ننسى فشلك لسنوات فى وضع منظومة صحيحة للتأمين الصحى، لن ننسى الحال السيئ الذى وصلت إليه سيناء والنوبة والصعيد بعد أن تركت أهلها يعيشون فى الجهل والفقر وغياب التنمية، لن ننسى مئات الشباب ممن غرقوا فى البحر بعد إحباطهم من حال الدولة وقرارهم بالهجرة غير الشرعية، لن ننسى الصفقات المسرطنة للأسمدة، لن ننسى تزوير انتخابات 2010، لن ننسى «خليهم يتسلوا»، لن ننسى تعديل الدستور «بالمقاس»، لن ننسى طوابير الخبز، لن ننسى سطان الحزب الوطنى وجبروته، لن ننسى وزراء حكومتك من أصدقاء نجلك جمال.
لن ننسى أبدا الحقيقة، ولن يغير عقيدتنا حكم صدر لصالحك بالبراءة فى قضية قتل المتظاهرين، لن ننسى أبدا ما سطرته محكمة جنايات القاهرة فى قضية القصور الرئاسية التى قالت عنك: «الله منّ على مبارك وبوأه حكم مصر وأقسم على احترام الدستور والقانون وبات نائبا عن شعبه فى إدارة شؤونه وقائما على أمواله، لكنه لم يكبح جماح نفسه وأولاده وغيرهم عن المال العام، واستباح منه دون وجه حق، وكان عليه أن يعدل بالمساواة بين أبعد الناس وأقربهم فى قضاء الحقوق، ولكنه لم يفعل ولم يسر على نهج السلف الصالح مثل عمر بن الخطاب الذى سوى بين أبنائه وسائر المسلمين».
مبارك فى عقيدة محكمة القصور الرئاسية مجرم وسارق، وفى عقيدتنا أيضا مجرم وسارق، رغم البراءة فى قتل المتظاهرين، ولا يزال بيننا وبينه ثأر ينتهى بمحاكمته سياسيا على جرائمه فى حق الشعب وبقصاصنا منه بالعدل.