بعد قرابة عام ونصف العام على تكوين تحالف دعم الشرعية بدا التحالف الآن وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن غادره الجميع ولم يبق فيه سوى جماعة الإخوان وحزبها والجماعة الإسلامية وحزبها.. لقد فشل التحالف فى تحقيق أهدافه التى نشأ من أجلها.. فى الوقت الذى قدم تضحيات جسام ومنى بخسائر كثيرة من القتلى والجرحى والسجناء والمطاردين تفوق بكثير أى مصلحة تحققت من ورائه إن كانت هناك مصلحة تحققت أو هدف تم الوصول إليه.
لقد تكون التحالف على ضفاف اعتصام رابعة والنهضة وفى غمرة الحماسة المتدفقة التى صاحبت الاعتصامين.. وشاركت فيه كل الحركات الإسلامية تقريباً باستثناء الدعوة السلفية السكندرية وحزبها «النور»..فقد تكون التحالف من أكثر من عشر جماعات بأحزابها المختلفة وعلى رأسها وفى موقع القيادة منها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» والجماعة الإسلامية وحزبها «البناء والتنمية».. وجماعة الجهاد المصرية التى تدين بالولاء لزعيمها السابق وزعيم القاعدة الحالى د. أيمن الظواهرى وحزبها «الحزب الإسلامى».. وحزب «الوسط» الذى انبثق أصلاً من الإخوان بعد مناوشات وملاسنات بين الاثنين فى عهد مبارك ثم تحالف استراتيجى بينهما بعد ثورة 25 يناير.. و«الجبهة السلفية» التى تتبع «حازمون».. وحزب «الأصالة» السلفى الذى يدين بالولاء للدكتور محمد عبد المقصود الذى يعد من أبرز من اعتلوا منصبة رابعة.. وكان له دور مع غيره فى تسخين خطابها إلى أقصى درجة.. وحزب «الفضيلة « السلفى.. فضلاً عن حركة حازمون التى كانت عنصراً فاعلاً فى التحالف وكل فعالياته.. وبعض أبنائها توزعوا فى حزبى الأصالة والفضيلة والجبهة السلفية من جهة.. وبعضهم كان تكفيرى الوجهة فذهب ها هنا وهناك فى مجموعات عسكرية وشبه عسكرية.
وحركة حازمون كانت أكبر حركة فى التحالف انضوى تحتها التكفيريون سواء ً علم بذلك الشيخ حازم أم لم يعلم فهى الحركة الوحيدة التى لم يكن لها منهج ثابت تربى عليه الداخلين إليها أو تلزمهم به وكان همها الأول والأخير زيادة الأنصار من كل حدب وصوب من أقصى اليمين لأقصى اليسار داخل الطيف الإسلامى. كما انضم إلى التحالف حزب «الوطن» السلفى الذى انبثق من حزب النور.. وهو حزب لا يعرف التكفير أو التفجير أو العنف، كما انضم إلى التحالف حزب «الاستقلال» الذى يتزعمه مجدى حسين ويعد امتداداً لحزب العمل الاشتراكى السابق وهو يختلف مع الإخوان والسلفيين فكرياً وعمليا فجل اهتمامه بالصراع العربى الإسرائيلى ومواجهة كامب ديفيد ويلقى دعماً كبيراً من إيران.. وليس له وجود شعبى فى الشارع المصرى.. كما ضم التحالف حزب التوحيد العربى وكذلك ائتلاف النقابات المهنية المصرية التى كان يتزعمها جميعاً قادة من الإخوان.. ولعل مشاركة هذه النقابات فى فعاليات التحالف كلها ومنها اعتصام رابعة كان سبباً فيما أصاب هذه النقابات من تغيير مجالس إداراتها أو فرض الحراسة عليها.. فأضيرت النقابات المهنية من هذا التحالف أكثر مما استفادت منه.
والسؤال المهم الآن الذى ينبغى علينا جميعاً دراسته : لماذا فشل التحالف فى تحقيق أهدافه؟!.
ولعلنا نجيب عن هذا السؤال مختصراً فى هذه العجالة بطريقة علمية محايدة لا تهدف للقدح فى أحد.. ولكنها تهدف لإفادة الجميع من هذه التجربة عسى ألا تتكرر بهذه الطريقة:
أولاً: كانت لحظة تكوين التحالف هى لحظة عاطفية تحمل كل معانى الغضب بالنسبة للإخوان الذين ضاع منهم الحكم بطريقة فجائية لم يتصوروها أو يتخيلوها فى أسوأ الكوابيس وكانت تمثل لحظة عصيبة على كل الحركات الإسلامية المصرية التى ضاعت كل أحلامها فجأة.هذه اللحظة هى التى تكون فيها التحالف فلم يستطع المكونون فى هذه اللحظة العصيبة ضبط أهدافهم ولا ترتيب أفكارهم ولا وضع إطارات إدارية وسياسية وتنظيمية وضوابط للخطاب لكل هذه الجماعات الكثيرة المتنوعة التى كونت التحالف والتى أتت من روافد متباينة مما جعل هناك عشوائية فى التحرك والأهداف والسبل دون تفريق بين ما هو إيجابى وما سلبى وما هو مطلوب وما هو محظور.
ثانيا: وضع التحالف أهدافاً أكبر من إمكانياته وطاقاته وقدراته.. بل إنه وضع أهدافاً شبه مستحيلة ومنها عودة د. مرسى وإسقاط حكم السيسى مع العلم أن عجلة التاريخ لا تعود للخلف أبدا وإذا كان د. مرسى وهو فى السلطة أدخل السجن فكيف يعود للسلطة ومعظم أتباعه فى التحالف لا تتناسب قوتهم على الإطلاق مع قوة الدولة المصرية العتيدة مهما تظاهر بعضهم أو استخدم بعضهم العنف أو استخدم فريق ثالث لا يتبعهم المتفجرات مع الجيش والشرطة ولو أن التحالف وضع أهدافاً تتناسب مع قدراته وإمكانياته.. وتدرج فى الوصول لهذه الأهداف وغلب العقل على العاطفة لما فشل هذا الفشل الذريع الذى منى به.
ثالثاً: تكوين التحالف لم يكن متجانساً ولا متناغماً فكرياً فما بين أفكار مجدى حسين التى تتصادم تماماً مع أفكار الأحزاب السلفية وما بين مجموعات تهوى الحرب والسلاح وتتوق إليه وتعتبرها فرصة رائعة لها.. وما بين مجموعات تكفر الآخرين وأخرى لا ضابط لها ولا رابط ولا سيطرة لأحد عليها.. وما بين مجموعات أخرى لا تؤمن أساساً بفكرة الديمقراطية أو الدولة.. وما بين جنود عاطفيين يرغبون فى الموت أى موت حتى دون أن يحققوا لأنفسهم أو لأوطانهم أو للإسلام أى هدف ويظنون أن الموت مطلوب لذاته فى الشريعة وحاشا لله أن تكون الشريعة كذلك.. تهدر دماء أبنائها أو خصومها أو أى دماء دونما مبرر. وكل سلبيات هذه المجموعات لحقت بالأغلبية السلمية فى التحالف فعدة بنادق فى رابعة كانت من أسباب العنف الذى حدث فيها والخسائر الجسيمة الذى لحقت بالنساء والأطفال والشيوخ والمرضى فقد كانت هناك عناصر تكفيرية وأخرى مسلحة وأخرى متشددة فى التحالف فرضت أجندتها على الآخرين وبعض هذه المجموعات أحضرت أسلحة على هوامش رابعة وبعضها أحضر مولوتوف وخراطيش على هوامش المظاهرات فى بدايتها مما أضر بها ضررا بالغا وأخرج العنف الكامن فى قلب الدولة المصرية والذى كان يمكن للتحالف عدم إخراجه لو كان يتحلى بالحكمة والعقل.
رابعاً: كل الجماعات التى بدأت التحالف خرجت منه لأن هناك نظرية شهيرة تقول: الجماعات إذا حكمتها لحظة الغضب إما تجتمع اجتماعاً عشوائياً أو تفترق افتراقاً عشوائياً بتلاسن ومخاصمة وتعود كل جماعة إلى مربعها وفكرها الأساسى.. وفد تجمع التحالف فى لحظة غاضبة عاصفة وتفرق كذلك فى مثلها.. ولكن بسباب وشتائم للأسف.
خامساً: تحويل الصراع بينهم وبين الحكومة المصرية إلى صراع دينى ومحاولة التحالف تقسيم مصر إلى فسطاطين أحدهما للكفر والآخر للإيمان ظنا منهم أن الشعب المصرى المسلم سينحاز إلى فسطاط الإيمان مع أن تحويل الصراع من سياسى إلى دينى أضر بالتحالف والحركات الإسلامية أكثر من ضرره بالحكومة.
سادساً: تحرك التحالف من منطق خاطئ ومدمر باعتبار أن الجيش المصرى خصم أيديلوجى للإسلاميين أو باعتباره جزءا من النظام السياسى المصرى وكلاهما يعد خطئاً فكرياً واستراتيجياً جسيما فالجيش المصرى لم يكن يوماً مؤدلجاً ضد الإسلام، بل إن جل ضباطه وجنوده متدينون طوال التاريخ وهو يختلف عن الجيش التركى القديم الذى أسسه أتاتورك.
سابعاً: تفنن التحالف وأنصاره وأتباعه وخطباؤه على منصة رابعة وبعدها وفى الفضائيات التابعة له وفى الفيس بوك فى صنع الأعداء وحشدهم ضده وفى تطفيش الأصدقاء واستخدم خطاباً عدائياً بامتياز صانعاً للخصوم ومهيجاً ومستفزاً لهم إلى أقصى درجة دون أن يترك أمام الخصوم باباً للتفاهم أو الحوار أو الحلول الوسط، فعادى الجيش كله قادة وجنوداً واستفزه إلى آخر درجة وكذلك الشرطة والقضاء والإعلام وسائر المؤسسات السيادية.. وأشعر هؤلاء جميعاً أنه إذا عاد للسلطة سوف يجتثهم جميعاً من فوق الأرض، ولن يرحمهم مما زادهم عداوة وتصلباً.
ثامنا: رفع التحالف خطابا فى مواجهة الحكم الجديد يتلخص فى كلمتين إما «الشرعية أو الدماء» ولم يدرك أن مثل هذه المعانى ستضره ولا تنفعه.. فضاعت الشرعية ولم تحقن الدماء ولم يفرق هذا الخطاب بين الشرعية البشرية غير المقدسة والتى يمكن التنازل عنها لمصلحة الوطن أو لحقن الدماء وبين الشريعة الغراء المقدسة التى لا يمكن التنازل عنها أو التفريط فيها. وكل هذا زاد كل أفراد التحالف تصلباً وتمسكاً بعودة د. مرسى مهما كانت التضحيات ومهما بلغت إراقة الدماء من الطرفين ومهما دخل السجن آلاف الشباب.
تاسعا: راهن التحالف فى الستة أشهر الأولى على انقسام الجيش المصرى بين مؤيد لمرسى وآخر مؤيد للسيسى وأن هذا الانقسام سيؤدى حتما إلى انقلاب على الحكم الجديد وروج التحالف قصصا وهمية عبر القنوات والفيس بوك باغتيال فلان واعتقال فلان من الحكام الجدد دون أن يكون لذلك وجه من الحقيقة، وهذا الرهان دوماً ما يكون خاطئاً إذ أن الجيش المصرى دائماً ينحاز إلى الدولة لا الأشخاص فقد انحاز إلى جمال عبد الناصر الذى يمثل الدولة رغم حبه الكبير قبل ذلك للمشير عامر وانحاز إلى السادات ضد الفريق محمد فوزى ومجموعة 15 مايو رغم عطاء الفريق فوزى للجيش لأنه بذلك ينحاز للدولة، ووقف مع السادات فى الحرب والسلام معا لأنه لا يقف مع شخص.. ووقف مع مبارك طويلاً حتى إذا بلغ فساده مداه وأراد معه توريث ابنه الذى لم يتأهل للحكم.. أيد الجيش ثورة 25 يناير ووقف ضد كل من أراد هدم الدولة من بعض الليبراليين أو الاشتراكيين الثوريين أو الذين أرادوا حصار وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية فى محمد محمود الأولى والثانية ولم يدرك التحالف أن الجيش بطبيعته لا يحب الجماعات والحركات والتنظيمات ويتوجس منها خيفة مهما كان توجهها الإيديلوجى وهذا من ثوابته.
عاشرا: اتخذ التحالف وسيلة واحدة وطريقة لا تتغير ولا تتبدل فى تحقيق أهدافه وهى التصعيد المستمر والصدام المتواصل مع الدولة المصرية الجديدة التى نشأت بعد 3 يوليو بحيث يتم هدمها أو إسقاطها أو عرقلتها أو قيام الثورة من أى أحد ضدها ولم يترك وسيلة للتصعيد معها إلا واستخدمها، فكانت الدولة ترد الصاع صاعين وتستخدم أعنف الأساليب لمواجهة كل أساليب التحالف. لقد استخدم التحالف سياسة الصدام المتواصل مع الحكم الجديد فى الشارع عبر التظاهر.. وفى الإعلام.. وفى الاقتصاد عبر وسائل عدة منها ضرب محطات الكهرباء ومحاولة تعطيل المترو وقطع قضبان السكك الحديدة.. وعبر الفيس بوك.. وعبر كل شىء وأعطى دون أن يدرى غطاءً سياسياً للتكفير والتفجير الذى قامت به أنصار بيت المقدس مما أضر بالتحالف ضرراً بالغا، ولم يفطن التحالف أن تجارب الحركة الإسلامية المصرية المستمرة والمتواصلة من 80 عاماً تقول: «إن كل حركة اصطدمت بالدولة المصرية خسرت خسارة كبيرة وأخرجت الوحش الكاسر والعنف الكامن فى هذه الدولة».
وكان لى صديق مخضرم وأستاذ جامعى دائماً يقول لى عن الدولة المصرية «الدولة نائمة لعن الله من أيقظها».. فالدولة المصرية ليست لقمة سائغة حتى تصطدم بها أو تهزمها أو تقلب حكمها وهذه الدولة نفسها يمكن أن تكون حملاً وديعاً أليفاً إذا وجدت من خصومها حكمة وعقلا وأناة ورفقا.ً أما إذا جن خصومها وفقدوا حكمتهم.. فإذا بها أكثر منهم جنوناً وحمقاً وعنفا.ً
حادى عشر: لم يستخدم التحالف الأوراق السياسية أو سياسة التفاهم والحوار والأخذ والرد ولكنه استخدم سياسة التصعيد المتواصل وكلما دعا بعض قادته فى الداخل أو الخارج لضرورة الصلح والتنازل عن بعض المطالب إذا بالجميع من أفراد وقادة التحالف ومن على هامشهم يشتمونه ويسبونه ويخونونه وقد يكفروه.. وحدث ذلك مع أفاضل كرام مثل د. كمال أبو المجد ود. سليم العوا ود. دراج وغيرهم فأغلق التحالف كل أبواب الحوار لأنه وضع سقفاً للحوار فى كل وقت يصعب تحقيقه.. فإذا أدرك بعد فترة أهمية ما عرض عليه تكون الفرصة قد ضاعت.. وهكذا.. فلم يقرأ ما يمكن أن يحصله فى الوقت المناسب.. ولم يدرك قيمة القاعدة الهامة «خذ المتاح من الخير وابنى عليه» وقاعدة «من أراد كل شىء فقد كل شىء».
ثانى عشر: التحول الملحوظ فى موقف أمريكا والغرب من نظام 3 يوليو حيث إن عداء أمريكا والغرب للحكم الجديد فى البداية كان الرهان الأساسى للتحالف لهزيمة الحكومة المصرية وكان الضمانة والمحفز لتكوين هذا التحالف واستمرار الدعم المادى والسياسى والإعلامى له فلما تغير موقف أمريكا والغرب من حكم السيسى أضحى اعتماد التحالف على الدعم الخارجى رهاناً خاسراً.