يبدو أن هناك إعجابًا شديدًا من قبل أطراف فاعلة فى الحكومة المصرية، وتحديدًا بين الصفين الثانى والثالث، وهى الصفوف الإدارية التى تترسخ بينها صنوف الفساد المختلفة بشكل من المنهجية اللائحية، والتى يضعونها لفتح أبواب خلفية للرشوة والاختلاس، فنفس هؤلاء الفاسدين هم أكثر من يتغنون بعبارات حماية الدولة، وحق المواطن فى الاستقرار، بل يكرسون لمفاهيم أنه لا صوت يعلو على أصواتهم لأنهم أضاعوا حياتهم فى خدمة الوطن واستقراره، ويزيدون على ذلك بمحاولات تلويث أى آخر مادام أنه لا يسير فى نفس ركابهم المتقيح الذى تساعد على وجوده ونموه معًا أصوات وأقلام لا تستحى من تاريخ مشين بذلوا جهدًا ليس بالهين فى إخفائه وإهالة التراب عليه.. تأتى هذه الصورة الداكنة بظلال الشك الرمادية بأثر وصدى واسعين بين صفوف الناس وعوامهم المهمومين فقط بأشهر مضت من الخوف وصعوبة المعيشة وقلق من إرهاب يعصف بأحلام المستقبل.
تتغير الأزمنة وتدور عجلة التاريخ، وفيما بينهما أناس يتعلمون من التجربة، شرارهم يعيد نسج المأساة، وخيارهم قد يكون أداة، وقد يكون ضحية، فنجد صورة تكاد تصل لحد التطابق الفلسفى بين تعمل أطراف فى الحكومة وبعض من أجهزتها المهمة لخلق محاكم تفتيش جديدة لقتل أى صوت مخالف أو وأد لمن يعترض، ففى مرحلة زمنية غابرة من القرون الوسطى وتحديدًا فى القرن الثانى عشر كانت الكنيسة فى روما قد تردت فى مساوئها من اتجار فى المناصب الدينية «السيمونية»، والسماح لرجال الدين بالزواج بعد أن رفلوا فى أسباب النعيم، باحثين عن وراثية لهم فى هذا، وغير ذلك من أمراض ألمت بالكنيسة، كبيع صكوك الغفران.. إلخ، ومن جهة أخرى كانت هناك جماعة المصلين التى كان الإكليروس يعتبرهم «مخالفين» أو معاندين، فقد كانت سماتهم الزهد والدعوة إلى البساطة الأولى كمد روحى للكنيسة الشرقية فى مصر، وقد انتعشت هذه الجماعة ولاقت قبولًا فى الجنوب الفرنسى تحديدًا، فى حين طرحت قضية «الإكليروس» على بساط الشك من أساسها، نظرًا لما أصابته من ثراء فاحش، وفى عام 1208 وعهد فيليب أغسطس دعا البابا «أنوسنت الثالث» إلى حملة صليبية ضد المنشقين، استجاب لها الآلاف من الفرسان المتطوعين من الشمال الفرنسى أملًا فى ثروات الجنوب وغنائمه، وقد قامت هذه الحملة بمذابح رهيبة أشهرها تم فى حصار وسقوط بلدة «بيزيه»، حيث قتل من تجودوا لحماية الصليب كما وصفهم البابا «الصليبيون» 1500 من السكان دفعة واحدة، ومن ثم كانت أكبر عملية إرهابية فى تلك الفترة، وبعد وفاة فيليب أغسطس أصدر الملك لويس الثامن قرارًا لإرضاء البابا فى روما بإقامة وتشكيل محاكم التفتيش فى جنوب وشمال فرنسا، وكانت هذه المرة هى الأولى التى يصدق فيها القانون الفرنسى على عقاب المهرطقين بالحديد والنار وليس بالمناقشة فى محبة، لأن الله يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، فكان العنوان الرئيسى هنا هو الحماية والحق فى أغراض تاريخى لم تشهده الإنسانية من قبل، وفى عهد الملك الفرنسى فيليب الرابع الذى تولى ما بين عامى 1285 - 1314 كلف وزيره وحامل أختامه بتلفيق التهم لجماعة رهبان الموعد الذين لعبوا دورًا كبيرًا فى الحملات الصليبية فى فلسطين، ومن هذه الاتهامات: الانحلال الأخلاقى والفجور، وبهذا تعرضوا لصنوف من العذابات داخل زنزانات سجونهم إلى حد أن واحدًا منهم عندما بلغ العذاب مداه به صاح قائلًا: إننى على استعداد أن أعترف لكم بأننى قد قتلت الله شريطة أن تكفوا عن تعذبتى وترحمونى من الحرق بالنار.
وفى سنة 1310 صدر حكم محكمة التفتيش بإحراق 63 راهبًا من رهبان الداوية بتهمة عبادة الشيطان والانحلال، وفى سنة 1314 اكتملت المأساة حيث اقتيد رئيس رهبان الداوية، جاك دى موليه، وبعض رفاقه إلى المحاكمة وتقرر إحراقهم جميعًا بتهمة ملفقة، ومنذ ذلك التاريخ صار تلفيق الاتهامات ونشر الفضائح الكاذبة والإرهاب أكبر سمة للملكية الفرنسية تحت رعاية الكنيسة الغربية حتى قيام الثورة الفرنسية فى عام 1789.
هنا نأتى بسؤال: هل الثورة نقيصة منبوذة أم أنها ضرورة تحكمها الشروط وتصاعد الأحداث وتوافر الظروف؟!
أو بسؤال آخر: من هو ذاك الذى يحتاج إلى مسلسل لا ينتهى من الفساد والفقر والقمع الذى يدفع بخلق بؤر احتقان جديدة، واتساع للكتل الحرجة فى الوطن أو بالأحرى من يحتاج إلى الدفع لمرحلة الثورة إن كنا نستطيع الإصلاح بعد ثورتين فى خلال عامين ونصف العام؟! وبعيدًا عن أى جدل؛ أليس من المفترض أنا عدونا الداخلى الوحيد هو الإخوان والإرهاب، وعليه فلتكن حربنا الشاملة منصبة على هذا الطرف توازيا مع بناء الداخل؟! فإذا كان الأمر كذلك فمن الذى يضع إدارة الحكم الحالية ممثلة فى «السيسى» داخل دائرة الحرج بسبب خطوات مثل إنهاء انتداب مذيعة راديو «عايدة» أو رفت رئيس اتحاد طلبة مدرسة ثانوى «حازم» ولماذا؟!
هل من يريدون الإصلاح والقضاء على الفساد وتصويب الإدارة «المعارضة» هم من يجب حرقهم بعد أن تنصب لهم محاكم التفتيش بين برامج تليفزيونية وأعمدة صحفية؟!
أم إذا أردنا التفتيش فلنسأل أنفسنا جميعًا: من الذى يلعب ضد مصلحة مصر والرئيس؟!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
رضاك ياالله
كسر الإطار