أضفت قصة لقاء جمال عبدالناصر بعمار الشريعى «الطفل» مزيدًا من البهجة على «عمار» وهو يحن إلى ذكرياته القديمة، قال لى: «شعرت أنى مهم بعد أن سلمت على جمال عبدالناصر، كده بقى أنا مش عيل صغير، أنا كبير، أنا مهم، أنا سلمت على جمال عبدالناصر»، قلت له: «يا بختك»، رد: «آه، فعلا يا بختى».. يواصل: «كان المصريون يتسابقون فى نسج الأساطير حوله، ممكن يقلب عمارة بإصبع واحد، وممكن وممكن، والأساطير لها عند المكفوفين سحر خاص يضيفون عليها ويختصرون منها».
المستقبل أصبح مفتوحًا أمام المكفوفين، هكذا يقطع «عمار»: «بعد دراسة الابتدائية كان بيعملوا فرز، وأول فرز يكون لمواهب المزيكا، ويحضر مفتش من الوزارة لإجراء اختبارات على البيانو، واللى ينجح ينقلوه إلى شعبة الموسيقى، وهذه الشعبة كانت صورة مصغرة من معهد الموسيقى».. أعلق: «طبعًا أنت على طول ناجح، مش محتاجة كلام»، يرد: «وأنا فى سنة رابعة كنت أقرأ وأكتب نوتة موسيقية، وكنت أدخل مسابقة بيانو»، ولما قابلت العظيم كمال الطويل وأنا فى سنة خامسة ابتدائى قال لأبويا: «ابنك ده كأنه متخرج من معهد الموسيقى، حتى خريجى المعهد لا يقدرون على الوقوف أمامه»، أقول له: «طبعًا لما كمال الطويل يقول كده يبقى خلاص، حصلت على نيشان»، يرد: «طبعًا كمال بالنسبة لى قصة كبيرة، أبويا، أبويا، بجد أبويا، دافع عنى دفاع الأب لابنه».
لم يكن «عمار» وحده على هذا التفوق بين المكفوفين وهو طفل: «كان هناك آخرون، فالتعليم المكثف للموسيقى خلق تيارًا تنافسيًا بيننا، كنا فى سهراتنا مثلا نتفق على هنشوف بكره مين اللى يحفظ توزيع على إسماعيل مثلا لأغنية كذا، أو تلعبنى على البيانو بثلاثة أصابع وعليك تعرفهم، وانت تلعب بأربعة أصابع وعليك تعرفهم، ونستمر حتى يهزم واحد التانى، وهكذا، كانت الموسيقى تفرض وجودها، كانت حياتنا، نسهر بالليل، ننظم العزف على العود على طريقة فريد الأطرش».
«تفتكر لحن معين يا عبقرى كنت بتحب تعزفه فى الوقت ده؟»، هكذا أسأله ونحن نطل سويًا على غرفة «استديو موسيقى» مفتوحة على الأنتريه، يجيب: عشقت لحن «قلبى دليلى» لليلى مراد.. ليلى حكاية كبيرة، معجزة، عبقرية، نسمة، كله ماشى، عزفت اللحن على الأكورديون بتوزيع موسيقى كنت فى بداية الإعدادية، يتوقف: «أقول لك سر؟»، أرد: «سرك فى بير»، يعلق: «إزاى يبقى فى بير وانت صحفى، هأ، هأ، هأ»، قال: «كنت فى الوقت ده بلحن كلمات من تأليف زملائى وحاجات ساعات كنت أكتبها أنا».
ساهم «البرنامج الثانى» فى الإذاعة فى تكوين عمار الثقافى: «أنا اتربيت على أصوات وبرامج حسين فوزى، بهاء طاهر، صلاح مرسى»، يوم الثلاثاء أسبوعيًا كنا نجلس حول الراديو للاستماع لمسرحية، ولو علقت مسرحية معانا تبقى مشكلة فى المناقشات بعد ذلك، أتذكر «مأساة جميلة» لعبدالرحمن الشرقاوى، و«ميراث الريح»، و«وفاة وكيل بائع متجول لميلر».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد سعيد
رحم الله الموسيقار الوطنى العظيم