فى علم المنطق تعرف النتائج دائمًا بمقدماتها، وفى مصر تقرأ الأخبار من أسفلها حتى يبين لنا رأسها، ولأن الرأس قد تعطل عن العمل فافسح الطريق لعقول أصغر، الأخبار الثلاثة التالية تقودك من المقدمة وتصل بك إلى النتيجة التى أزعجتك وهى أن مصر الأولى عربيًا فى الإلحاد دون أن تنتبه إلى الأسباب من قبل.
ثلاثة أخبار فى أسبوع واحد احتلت عناوين الصحف تستطيع حل اللغز.
مقدمة منطقية (1)
الأزهر يرفض تكفير داعش
رفض الأزهر تكفير داعش، لأنه لا يكفر المسلمين، ولن يستخدم نفس منهج داعش فى تكفير البشر، معتبرًا أن داعش تحيد عن منهج الإسلام الصحيح.
"مفهوم الإسلام الصحيح" الكلمة الأكثر استخدامًا فى بيانات الأزهر الشريف، استخدام من فرط تكراره أصاب الجماهير بالملل، دون أن نعرف حتى الآن ما هو مفهوم الإسلام الصحيح الذى يقصده الأزه؟ ومن يملك من البشر أن يحتكر لنفسه مفهومًا صحيحًا واحدًا للإسلام فى الوقت الذى يرى فيه الإمام على بن أبى طالب أن "القرآن حمال أوجه" وأن النص القرآنى نص مفتوح يحتمل الاجتهاد والتأويل، بل أن الفاروق عمر بن الخطاب كان أول من اتبع مبدأ القياس الفقهى بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
سؤال آخر: هل يقتصر مفهوم الإسلام الصحيح على علماء القرن الثالث الهجرى مثل الإمام أحمد بن حنبل الذى رفع من قيمة النقل على حساب العقل وسار ابن تيمية على نهجه بعد وفاته، ثم تلا ذلك ظهور الفكر السلفى الذى يرد كل شىء إلى السلف الصالح وأفعالهم مع تجاهل كبير لقاعدة عظيمة وضعها الرسول تقول: "أنتم أعلم بشئون دنياكم".
الأزهر يرفض تكفير داعش، ولكن المؤسسة ذاتها وقبل سنوات من الآن تضامنت مع الدكتور عبد الصبور شاهين حين أفرط فى تكفير زميله نصر حامد أبو زيد بعد أن حاول الأخير الوصول إلى قراءة جديدة لمفهوم "الإسلام الصحيح"، استنادًا إلى حرية النص وارتباطه باللغة والثقافة وحضارات ما قبل الإسلام.
سؤال ثالث: هل يحتكر الأزهر وحده مفهوم الإسلام الصحيح، أم أن ما وصلت إليه "داعش" من قراءتها الانتقائية للنصوص هو مفهوم آخر للإسلام؟
الحقيقة أن الإسلام ألغى الكهنوت المعمول به فى المسيحية أى أنه رفض اقتصار الفهم الدينى على رجال الدين، وفتح باب الاجتهاد أمام كل من يقرأ ليصل إلى معرفة دينية يراها صحيحة حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام وضع قاعدة ثانية لكل من احتار فى أمر دينه مفادها "استفتى قلبك ولو أفتوك".
"اتفق عليه العلماء" المقولة التى تسببت فى جمود الفكر الدينى والاستناد إلى اجتهادات سابقة تعود إلى عشر قرون من الآن، وهى الاجتهادات التى لا تزيد عن كونها عملاً بشريًا قد يخطئ وقد يصيب، ووفقًا لنصر حامد أبو زيد فإن النص القرآنى مقدس فى نزوله، ولكنه غير مقدس فى تفسيره ويحتمل أكثر من محاولة وأكبر من عالم واحد أو مجموعة علماء أُطلق عليهم "العلماء الثقات".
انصرف الأزهر عن تجديد خطابه الدينى وماتت مدرسة النهضة الإسلامية الحديثة، التى أسسها الإمام محمد عبده مع جمال الدين الأفغانى وحاول فيها الإمام المجدد أن يرى مفهومًا جديدًا للإسلام الصحيح، ارتد عنه الأئمة الحاليون الذين نسوا كل شىء وانصرفوا إلى معارك سياسية وأخلاقية بل وأمنية مع من اختلف معهم فى الرأى، وتاه المسلمون فى المنتصف.
مقدمة منطقية (2)
• البابا تواضروس يرفض الاختلاط بين الذكور والبنات فى المدارس
• الكنيسة تدرس وضع تشريع يمنع تغيير الملة من أجل الطلاق
البابا تواضروس بابا الإسكندرية أكد فى تصريحات له ضرورة الفصل بين الذكور والإناث فى المدارس الإعدادية والثانوية لأن ذلك يؤدى إلى خلق "ولد مايع" و"بنت مسترجلة" على حد تعبيره.
تصريحات البابا، تطل منها نفس الأزمة التى يعانى منها الأزهر وكأنهم اتفقا على العودة بالمجتمع إلى الوراء، مثلما اتفقا فى السياسة.
إذا أزلت كلمة "البابا تاوضروس" ووضعت بدلاً منها حزب النور سيتسق الأمر أكثر، البابا يتبع المنهج السلفى فى الحياة الاجتماعية.
السلفية هنا لا تقتصر على الإسلام وحده بل تعنى كل محاولة للتشبث بالقديم وجر المجتمع إلى العصور الوسطى، عصر ظلام الكنيسة الأوروبية.
البابا ينسى أو يتناسى أن المدارس المختلطة التى أشرفت عليها كنائس أنجيلية وكاثوليكية خرجت آلاف الطلاب والطالبات الخالين من عقدة رفض الآخر دون أن يتسبب ذلك فى "ميوعة الذكر" أو "استرجال الأنثى".
أما الخبر الثانى فتتجدد فيه أزمة الطلاق بين الكنيسة وآلاف الأقباط الذين حلموا بالفكاك من علاقات أسرية غير مستقرة وكانوا ينتظرون من البابا الجديد توجه آخر يخفف عنهم تلك المعاناة بعد سنوات من العذاب مع أساقفة متشددين سيطروا على الكنيسة قبل مجيئه على رأسها دون أن يدرك البابا الجديد حجم التغيير الذى أصاب المجتمع كله بعد الثورة، فصار التسليم بمبدأ "هذا ما وجدنا عليه آبائنا" شبه مستحيل .
النتيجة
الأزهر يعلن مصر الأولى عربيًا فى الإلحاد
المطرودون من جنة الإيمان بفتاواه الغريبة والمنغلقة والمستفزة للعقل، يدخلون فورًا إلى عالم الالحاد الذى استطاع أن يجيب على أسئلة عقلية كثيرة فشل المتشددون فى الإجابة عنها إما لقلة الفهم أو لقلة الثقافة أو للكسل الذى يسهل لهم الاستناد إلى تفسيرات واحدة وقديمة تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة فى حالتى المسيحية والاسلام.
عدد الردود 0
بواسطة:
سوسن سعد
موافقة على الالحاد