كتاب الحركة الإسلامية.. أوراق فى النقد الذاتى هو من أهم الكتب التى يجب على العاملين بالحركة الإسلامية عموما وبجماعة الإخوان المسلمين خصوصا أن يتحروا قراءته، ومعنى طرح رؤية نقدية للجماعة منذ عام 1989 من أناس كانوا قيادات بها وسجنوا فى سبيلها وبالطبع من متعاطفين معها - يعنى أن هناك مشكلة بنيوية داخل الجماعة مطروحة على النقاش منذ ذلك الوقت. اشتريت ذلك الكتاب مرتين اثنتين لأنى لم أتصور مكتبتى بدونه، وقد رجعت للكتاب مرات عديدة فى أبحاثى وطالعته مرات عديدة ولكنى حين أطالعه اليوم يبدو وكأننا نتحدث عن اللحظة الراهنة خذ مثلا ما طرحه الكتاب من مشكلات نقدية للحركة وللإخوان ستجدها هى هى نفس المشاكل منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما وتتمثل فى:
غياب التفكير المنهجى ذى المدى البعيد:
أى أن الجماعة لا تملك رؤية استراتيجية بعيدة لانشغالها بالأحداث اليومية السياسية المتفجرة وهو ما يعيق قدرتها على التفكير للمستقبل، وأكبر دليل على ذلك مشروع النهضة الذى جرى الترويج له من قبل الجماعة بعد وصولها للسلطة ثم تبين أنه لم يكن هناك مشروعا استراتيجيا بالمعنى الحقيقى وإنما مجرد أفكار أولية، وفى اللحظة الراهنة ألح علىّ من يتحدثون باسم الجماعة أن يخرجوا لنا دراسات أو أوراق تحمل ملامح التفكير المنهجى ذى البعد الاستراتيجى المتجاوز لأزمة اللحظة الراهنة التى يكثر فيها الضباب وترتفع وتيرة الأحداث وتعلو فيها الصرخات على الأفكار، إننى أقول منذ وقت طويل ومنذ تولى الإخوان للسلطة ومن بعد عزل مرسى أرجو من التحالف الوطنى لدعم الشرعية أن يمدنا بتصوره الاستراتيجى عن جوهر الأزمة مع النظام المصرى وطرق حلها والتفكير حول مناهج الخروج منها.
تجاوز العتبة الحزبية:
يشير الكتاب إلى كتاب خالص جلبى «فى النقد الذاتى.. ضرورة النقد الذاتى للحركة الإسلامية»، وينقل من كلامه «من كوارث العمل الإسلامى وارتداده وانقلاب نشاطه هو الفكر الحزبى» فالأفراد غير مبدعين لأنهم ينتظرون الأوامر ويبالغون فى الاتباع والتقديس لحزبهم وجماعتهم والإبداع هو سر تفوق الدعوات، وقد أفقد التفكير الحزبى الحالة الإسلامية عقولا نادرة غادرته لأنه ضاق بها عن التفكير وإعلان الرأى، كما أفقد التفكير الحزبى ذلك الحالة الإسلامية ازدهار حركة إصلاح حقيقية داخلها.
الأجواء الحزبيه تدفع الإنسان للعمل ضد قناعاته فى بعض الظروف فإذا جاء وقت المحاسبة قيل إنهم اجتهدوا ولكن إرادة الله غلابة - وهذا احتجاج واضح بالقدر فى غير موضعه.. ويشير الكتاب إلى عدم الاعتراف بالخطأ «قل هو من عند أنفسكم» ويذكر بالمؤذن الذى ذهب للجامع متأخرا والناس عائدون من صلاة الصبح فلما سألوه عن سبب تأخيره قال أنا لم أتأخر ولكن الشمس أشرقت اليوم باكرا.. «أى أن افتراض حصول تغيرات كونية عظيمة خلاف سنة الله أسهل علينا من مراجعة أنفسنا».
التحزب والتعصب هو من جعل المتحزبين يتحزبون للكيانات والأشخاص لا للأفكار.. الخطر فى العقلية الحزبية أنها تقاوم حتى اللحظة الأخيرة، فهى عقلية ذات اتجاه واحد وهو ما يجعلها محرومة من التأمل والتفكير والمقارنة، وبقدر ما يمثل ضخامة العدد قوة فى الأوقات العادية للمباهاة فإن ذلك فى أوقات الأزمات يكون خطرا على الجماعة التى بثت تلك الروح فى أبنائها، وما تعرضت له الجماعة وقت أن كانت فى الحكم هى غلبة العناصر الحزبية فيها على العناصر المستقلة فى التفكير وهو ما جعل الرماد يحول بين تلك العناصر وحقيقة الواقع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة