رغم وعورة الطريق بمصر منذ 25 يناير 2011 حتى الآن، وتعدد محطاته الفاصلة، لكن يمكن الزعم بأن هذه الأيام تشهد المحروسة حالة احتقان غير مسبوقة، فبعدما تآكلت «مظلومية الإخوان» وفشلهم بالحشد لما أسموه «انتفاضة الشباب المسلم» حتى اشتباك بعض مذيعى الفضائيات الخاصة بملاسنات، رغم أنها مملوكة لرجال أعمال كانوا موالين لنظام الرئيس الأسبق مبارك، وانتقلوا للاصطفاف بالمسار السياسى الجديد بقيادة الرئيس السيسى، فكيف نفسر مغزى الاشتباكات بين «بارونات الشاشات» والذين يمتلكونها؟
وقبل العثور على إجابة لمعارك الفضائيات الخاصة التى تعكس صراعات رجال الأعمال واستعداداتهم لانتخابات البرلمان، فجرت فضائية مجهولة تنتمى للتنظيم الدولى للإخوان تسجيلات منسوبة لبعض قادة الجيش، واشتعلت الساحة المصرية بهذه التسجيلات التى أنكرت صحتها مصادر عسكرية، واعتبرها النائب العام «مختلقة» لكنه قرر فتح تحقيق بشأنها، ثم عاد ليحيلها للقضاء العسكري، بينما تُجرى الأجهزة الأمنية تحرياتها لتتبع مصطنعيها بتقنيات متطورة، وفق الرواية الرسمية.
وسط هذه الأجواء المأزومة يسعى الساسة المحترفون ممن لعبوا أدوارًا بعهد مبارك، والنشطاء الذين أفرزتهم تحولات 25 يناير 2011 وصولاً لمسار 30 يونيو، واشتبكت الأطراف الثلاثة سواء بالشارع السياسى أو عبر الواقع الافتراضى بشبكات التواصل الاجتماعى، بينما صدرت دعوات العقلاء لضرورة التكاتف وتجاوز حسابات الماضى، حتى لا تتشرذم القوى المدنية، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.
التحالفات الحزبية تبدو هشّة، ومرشحو المقاعد الفردية الذين يحظون بالنسبة الكبرى يتخذون مواقف باهتة ترقبًا لخريطة المنافسين من جهة، والأخرى تتمثل بدراسة المزاج الشعبى حيالهم، للتحقق من فرص فوزهم. يبدو فى الخلفية «لاعب خفى» لكن هناك لاعبا آخر واضحا وهو «المال السياسى»، فرجال الأعمال الذين يشكلون بشاشاتهم الوعى الشعبى، تراودهم أحلام «الظهير البرلمانى» خاصة أن معظمهم كانوا لاعبين محترفين بالحزب الوطنى، ويمتلكون أدوات المنافسة لتكوين «جماعات ضغط» لحماية مصالحهم، وبين الخفى والمُعلن يزداد الاستقطاب عمقًا ليجعل المجتمع مأزومًا، يكاد يفقد ثقته بكل اللاعبين، فيشاهد الشاشات لكنه يلعنها، ويدرك خطورة الانتخابات لكننى أخشى أن يدير لها ظهره.