حتى وإن كان صدر حكم ببراءة الطفل عبدالمسيح عزت عزيز، من مركز الفشن بنى سويف، تبقى القضية شاهدا على ما يجرى من عبث، وتضييع الوقت والجهد والمال، والتعامل مع حدث عمره 7 سنوات، بشكل يفوق التعامل مع كبار المفسدين المتهمين بالقتل أو الاختلاس أو سرقة المال العام والأراضى.
القصة ترجع إلى نوفمبر 2012 عندما كان عبدالمسيح جائعا، وحصل على 5 أرغفة من مخبز، واتهم صاحب المخبز الطفل بسرقة الأرغفة، وفوجئت أسرته باستدعائه لقسم الشرطة، لأن صاحب المخبز قدم بلاغاً يتهم الطفل بسرقة الخبز. أحيل البلاغ للنيابة، التى أحالت القضية لمحكمة أول درجة، التى قضت غيابيا بإيداعه دار الأحداث لمدة عام. يعنى حبس سنة.
ووجد الطفل نفسه مطاردا وسوابق، ووكلت أسرة الطفل محاميا، وسعت للتصالح مع صاحب المخبز للتنازل عن الدعوى، حتى قضت محكمة جنح أحداث بنى سويف ببراءة الطفل عبدالمسيح (9 سنوات حاليا)، وإلغاء الحكم الصادر من محكمة الطفل غيابياً بإيداعه دور الرعاية الاجتماعية لمدة عام.
استغرقت هذه القضية ما يتجاوز العامين، وتم فيها استهلاك أوراق وأقلام ووقت من البوليس والنيابة والقضاء، و«وسين وجيم» وإذا كان الطفل سرق 5 أرغفة ثمنها خمسة وعشرين قرشا، كان يكفى أن يشكوه صاحب المخبز لوالده أو يعنفه، ويطالب الأب بربع جنيه، ربما لا يمتلكه. لكن صاحب المخبز أصر على اتهام عبدالمسيح كان وقتها 7 سنوات ونصف بسرقة 5 أرغفة، ووجد الرجل لديه من الوقت والجهد ليذهب إلى مركز الشرطة ويحرر محضرا ويرفض التصالح والوساطات.
لم يتوقف البلوكامين ولا الضابط ولا المأمور عند المحضر، ولم يفكر أى منهم فى عرض ربع جنيه ثمن الأرغفة على صاحب المخبز، أو يصالحه ويصرف الطفل، وأخذت القضية الخطيرة مساراتها، وحققت فيها النيابة، وأحالتها إلى محكمة أول درجة التى قضت على الطفل بسنة. حتى الطعن والتصالح والبراءة.. مع العلم بأنها «خمسة أرغفة».
دعك من أن هذه الفترة شهدت بالتأكيد الكثير من المحاضر عن سرقة واختلاس وفساد، هل تم الانتهاء منها، ليتفرغ هؤلاء لمطاردة عبدالمسيح ذى السبع سنوات، وهل تساءل أحدهم وبحث فى روح القانون أو روح البشر. ليوقف مهزلة؟! والأهم ربما يفترض أن تهتم الحكومة وتبحث حالة أسرة عبدالمسيح، وما إذا كان فى حاجة لثمن خمسة أرغفة تحميه من قضية جديدة؟ بعد أن «طلع كل هؤلاء روح القانون».