الموسيقى والأغنية فى مصر ستدفعنا حتما أن نتذكر روادها، نتذكر أسماء مثل سيد درويش، محمد القصبجى، زكريا أحمد، رياض السنباطى، محمد عبدالوهاب، محمود الشريف، أحمد صدقى، سيد مكاوى، فريد الأطرش، محمد الموجى، كمال الطويل، بليغ حمدى، وآخرين، نتذكر كل الأصوات الغنائية التى رافقت هؤلاء.
فى حضرة عمار الشريعى تتأكد أن هذه الأسماء وغيرها ترفرف فوق رأسه، تبحث عن بر أمان لتراثها فتجده عنده، وعمار يحرسها بمحبة، يبحث وينقب فى تراثهم فيستدعى ألحانا لم نسمعها من قبل، أو نسمعها لكنها إما تمر علينا مرور الكرام، أو نعجب بها بدرجات متفاوتة للتذوق، ولما قدمها فى برنامجه الإذاعى المدهش «غواص فى بحر النغم» أعدنا اكتشافها، استمعنا إليها، وكأننا لم نسمعها من قبل، درب عمار أذن مستمعيه على التثقيف الموسيقى، والأجمل أنه لا يتحدث فقط عن جملة موسيقية أو كلمة معبرة، وإنما يشرح ويحلل اللحن فى سياقه التاريخى، فتسمع منه سياسة وثقافة وفكرا وتاريخا.
حدثته مثلا عن أغنية «شمس الأصيل» لأم كلثوم ورياض السنباطى وبيرم التونسى، قلت له: «أدهشتنى فى تحليلك لها»، وبعد أيام فوجئت باتصاله: «اسمع البرنامج الليلة دى هتلاقى فيه حاجة بتحبها، هتسمع إعادة لحلقة شمس الأصيل».
أنت امتداد لمين؟ سألته، أخذ نفسا عميقا، انطلق فى الحديث: «ستجد فىّ امتداد من كل هؤلاء، ستجدهم فوق أكتافى، السنباطى، عبدالوهاب، الطويل، الموجى، فريد الأطرش، وغيرهم، وغيرهم».
يواصل: «كل الذين أحببتهم هتلاقيهم يمتلكونى فى وقت من الأوقات، وفى وسط هؤلاء أعرف أطلع أنا، كل هؤلاء آبائى، عارف قيمتهم، عارف أن أنا أمام 50، 60، 70 سنة أو أكتر موسيقى، فيها تجديد، فيها تحدى، فيها فهم لكل واحد منهم لمقتضيات عصره، وإزاى تكون هذه الموسيقى معبرة عن عصرها دون أن تفقد أصالة حضارتها وبيئتها، والحصيلة كانت خلطة موسيقية رائعة، أنا امتداد لكل هؤلاء، لكن فى نفس الوقت عينى على أن أكون عمار الشريعى اللى الناس عرفته بشخصيته الموسيقية الخاصة».
يتوقف «عمار» أمام سيد درويش، يقول صراحة: «لم أعرفه إلا وعمرى 25 أو 26 سنة»، أتعجب: «معقول»، يرد: «محمد عبدالوهاب السبب»، يتوقف: «هقول لك الحكاية من أولها»، يواصل: «لم أكن أعرف سيد درويش خالص، يعنى لا أرى قيمته بحجمها الحقيقى، وكل ما أعرفه عنه»، أوبريت «العشرة الطيبة» و«شهر زاد»، وحاجات تانية بسيطة، ولا أرى أنهم يستهلوا كل وجع القلب، وظل الأمر على هذا الحال حتى ذهبت مرة إلى الأستاذ محمد عبدالوهاب فى بيته، كان عندى تقريبا 25 أو 26 سنة، قال لى: سمعت يا عمار: «الحبيب الهجر مايل»، قلت له: «لأ»، قال: «إزاى تفوتك دى؟»، قلت له: «يا أستاذ هتقول لى سيد درويش، أنت برقبته»، «برقبته إيه بطل عبط».
وغدا نستكمل الحكاية