عانى العالم كثيراً من النتائج الوخيمة والسلبية التى أفرزتها العصور الوسطى فى أوروبا حيث تم خلط السلطة الروحية بالسلطة الزمنية أى خلط الدينى بالسياسى فاستبد رجال الدين الذين تاجروا بالدين واستغلوا العاطفة الدينية ولعبوا بها فانحدرت القيم الدينية وانحطت الممارسات السياسية وما الحروب الصليبية غير بعض تجليات ذلك التدخل المشين عندما أمر البابا أوربان بشن تلك الحملات تحت أكذوبة حماية المسيحيين بالشرق.
وبالرغم من أن الكنيسة المصرية بتاريخها وتراثها الوطنى لم تدخل فى السياسة وذلك لظروف خارجة عن إرادتها سواء فى ظل الحكم الرومانى أو بعد الفتح الإسلامى لمصر ولكن من الواضح أن البابا شنودة الذى كان يصر على أن يلعب دورا سياسيا وأن تكون الكنيسة هى الممثل السياسى للأقباط قد نجح فى السير فى طريق تأسيس دور سياسى للكنيسة حيث أنه كان قد استغل ضعف وهشاشة نظام مبارك إضافة لاستغلاله بعض الظروف الدولية حينئذ فهل نحن نسير فى ذات الطريق؟ للأسف نعم، فمع أن هبتى يناير ويونيو كانتا تسعيان لتأسيس الدولة المدنية الحديثة خاصة بعد استرداد الوطن من قبضة الإخوان، نجد أن واضعى دستور 2014 الذين كانت مرجعيتهم مبدأ ما يطلبه المستمعون فوجدنا ما يسمى بالكوتة لمن يطلق عليهم الفئات المحتاجة إلى تمييز، وبالرغم من تعارض تعبير التمييز مع القواعد الدستورية تم تحديد كوتة للأقباط ولبعض الفئات الأخرى مع العلم أن كوتة الأقباط تحديداً تؤسس للقسمة الطائفية وتستدعى التجربة اللبنانية الطائفية بامتياز، فالفئات الأخرى مثل المرأة والشباب وغيرهما تضم مواطنين مسلمين ومسيحيين ولكن كوتة الأقباط تعنى الفصل الطائفى بين المسلمين والمسيحيين، كما أنها على أرض الواقع ستحول الكنيسة ليس إلى لعب دور سياسى مرفوض ولكن ستتحول الكنيسة إلى حزب سياسى يدعى تمثيل الأقباط.. كيف؟.
منذ عقود ونطالب الأقباط بترك الهجرة للكنيسة والعودة إلى الوطن وممارسة دور سياسى كمواطنين وليس كمسيحيين حيث أن هذا هو الحل الأمثل لحل كل المشاكل. الآن نجد أن الكوتة هذه ستكرس وتجذر العودة والهجرة السياسية إلى الكنيسة تمسحاً فى الدستور حيث أن الكنيسة قد أعلنت أنها تجهز مرشحى الأقباط لطرحهم على الأحزاب كما أن الأحزاب الورقية الفاشلة ستزحف سائرة على ركبها إلى الكنيسة لتنال الرضى بترشيح الأقباط لتلك الأحزاب حتى تضمن مساندة الكنيسة لقوائمها المرشح عليها هؤلاء الأقباط، كما أن الواقع يقول عند ذلك سيسعى الأقباط الذين سيترشحون ليس إلى الأحزاب وعلى أرضية سياسية ولكن إلى حزب الكنيسة الذى سينعم عليهم بترشيحهم للأحزاب إضافة إلى المعينين عن طريق رئيس الجمهورية من الأقباط.
وهنا هل بذلك نشجع الأقباط على المشاركة السياسية على أرضية سياسية أم طائفية؟ وما الفرق بين الأحزاب وبين حزب الكنيسة الذى يرشح بل قد أصبح له السطوة السياسية ناهيك عن سطوته الدينية؟ أليس ذلك تداخلا بين الدينى والسياسى؟ وما الفرق بين هذا وبين الأحزاب الدينية التى يمنع الدستور عملها بالسياسة؟ وهل نمنع الأحزاب الإسلامية ونقبل حزب الكنيسة؟ وهل النواب الأقباط سيمثلون الأقباط والمسلمين يمثلون المسلمين؟ أليس هذا تكريساً للدولة الدينية وهدماً للدولة المدنية التى أقرها الدستور؟ هذا هو الخطر القادم ياسادة لو تعلمون. هذا تأسيس للفتنة وشق للوطن. التمييز يأتى بمزيد من الحقوق وتفعيل المواطنة وأن تكون مصر بحق لكل المصريين وليس كذلك.