شريف سعيد

وزارة الملحدين

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحدث هو غلق مقهى فى منطقة وسط القاهرة، وفى خطاب رسمى من اللواء جمال محمد محيى، رئيس حى عابدين إلى محافظة القاهرة، تم فيه وصف هذا المقهى بـ "مقهى الملحدين" دون ذكر أية أسباب أخرى لغلقه!! ليقوم الدكتور جلال مصطفى سعيد محافظ القاهرة بالتوقيع على الخطاب ووصف هذا الإجراء بـ"الخطوة الممتازة"!! وبناء عليه تم تصدير الخبر للإعلام على كونه انتصارًا من الدولة للدين!! تلك الكوميديا السوداء لا يمكن أن تمر دون كتابة بعض الهوامش:

معنى "الملحد" لغويًا فى المعجم الوسيط: هو الطاعن فى الدين المائل عنه، أما معناه عند رئيس حى عابدين: فهو ذلك الكائن الحى الجالس يُدخن "المعسل" أو يحتسى "السحلب" على مقهى فى العقار رقم 61 بشارع الفلكى!! كانت كل أدلة رئيس الحى هو شكاوى جيران المقهى المتكررة من إلحاد الزبائن!! وسأفترض "جدلاً" أن تلك الأساطير صحيحة فهل هذا هو النموذج فى تعامل الدولة!! ماذا تركت الدولة لمتطرف فى مطعم، وجد على مائدة بجواره من يُصلب على "التشيز كيك" قبل الأكل؟!

من المتعارف عليه أن منطقة وسط المدينة بالقاهرة تضم العديد من تجمعات المثقفين الطارحين لأفكار جريئة وأسئلة غير معتادة سعيًا وراء إجابات يقينية "من وجهة نظرهم"، وبالتالى هم يفكرون وهذا لا يعنى أنهم ملحدون!! التبرير المجنون لغلق المقهى قد يغرى كثيرًا من العامة للزحف الدينى المقدس نحو أتيليه القاهرة ومقر حزب التجمع ومقهى ريش وستيلا بار!! وتغييرهم لكل هذا المنكر "من وجهة نظرهم" بأيديهم!!

بتوسعة زاوية الرؤية نجد أن "المحاولة الفاشلة" للتسويق السياسى لخبر إغلاق ما سُمى "مقهى الملحدين" جاءت فى أجواء مشابهة لحد كبير مع الأجواء التى مُنع فيها عرض فيلم "حلاوة روح" قبيل انتخابات الرئاسة بقرار من رئيس الوزراء! ما يطرح فرضية "مغازلة أو مناطحة" الدولة للتيار السلفى قبيل كل استحقاق انتخابى وفقًا لظروف هذا الاستحقاق، ودخول الدولة هذه المرة لسباق محموم "قبيل انتخابات مجلس النواب" تحت شعار: لسنا أقل منكم إسلامًا!

السؤال الصعب، إذا كان المحافظ قد قبل بغلق مقهى بحجة ما "يشاع" عن أن رواده من الملحدين! فهل سيقبل بذهاب أحد رؤساء الأحياء إلى العقار رقم 2 بشارع شجرة الدر فى حى الزمالك، وإغلاقه نظرًا لما "يشاع" عن أن بعض رواده وبعض موظفيه المهمين من الملحدين؟! بالمناسبة هذا العقار هو: مقر وزارة الثقافة! فهل سيتم إغلاقها باعتبارها وزارة الملحدين "الثقافة سابقًا"!

فى النهاية، الموجة العارمة، سواء إعلامية أو عبر المواقع الاجتماعية، والتى استهجنت هذا التصرف الكوميدى الأسود، أصابت المسئولين عنه بالتخبط الشديد، فلم يعد غلق المقهى بسبب رواده الملحدين!! ولكن لعدم حصول صاحبه على الترخيص اللازم هذا عن رئيس حى عابدين أما محافظ القاهرة فقد تراجع بدوره عن وصفه السابق للغلق بـ"الخطوة الممتازة" وأصدر بيانًا شدد فيه على: مخالفات صاحب المقهى، وفتحه لباب خلفى بالعقار!! كان هذا بالأحرى بابًا آمنًا للخروج من الأزمة، وجزاءً عادلاً لكل من حاول ارتداء عمامة فى غير موضعها!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة