"إن الطريقة التى نرى فيها الله ما هى إلا انعكاس للطريقة التى نرى فيها أنفسنا فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة فهذا يعنى أن قدرًا كبيرًا من الخوف والملامة يتدفق فى نفوسنا، أما إذا رأينا الله مفعمًا بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك"، تلك هى القاعدة الأولى التى رأت فيها الكاتبة الشهيرة "إليف شفاق" أساسًا للعلاقة بين الإنسان وربه فى روايتها الأشهر "قواعد العشق الأربعون"، وهو ما يؤكد على أهميته أيضا الفنان التشكيلى محمد عبلة.
فى عالم هذه الرواية يعيش محمد عبلة بين قواعد العشق الأربعون التى قدمتها الكاتبة للعشق، وهو ما يجعله يأسف لأنه لم يقرأها إلا خلال هذه الأيام منذ أن صدرت وتمت ترجمتها، وما جعله يشعر بذلك هو أن الرواية أخذته وسيطرت عليه بعوالمها فوصفها بـ"الرائعة"، كما يرى أن الطريقة التى استخدمتها "إليف" لنسج العلاقة بين الإنسان وربه فى إطار قواعد يجب عليه اتباعها ليصل إلى معرفته كما يجب كانت بحسب وصفه "مثالية" على حد كبير، متجنبة "نمطية" النظرة للخالق البعيد، خالقة من خلال نسجها لأحداث الرواية سبيلاً يسهل على كل محب وصله.
ويوضح "عبلة" أن لجوء الروائية إلى نسج أحداث روايتها من خلال العلاقة التى تجمع كلا من الرمزين الصوفيين جلال الدين الرومى والدرويش شمس التبريزى سمح لها بالوصول بروايتها إلى مفاهيم عميقة لا يصل لها عادة كل من يكتبون عن الله.
ووصف عبلة أسلوب إليف شافاق فى رسم أحداث الرواية بـ"السلس" وذلك من خلال انتقالها بالقراء فى زمنين مختلفين تفصل بينهما حوالى ثمانية قرون، وفى إطار ثلاثة روايات استطاعت الروائية التأليف بين أحداثهم ببساطة وعمق.
وتدور أحداث الرواية فى إطار عدة شخصيات إلا أن شخصية كل من شمس التبريزى "الدرويش" الذى تثير آراؤه دائمًا استغراب مستمعيه، كاسرة قواعد العشق النمطية، آخذة بيد القراء إلى بعدٍ أعمق فى رؤية وجلال الدين الرومى الفقيه "العلامة" تعد محوريتيين.
وتجمع التبريزى بجلال الدين الرومى علاقة "نادرة" كانت بحسب المؤلفة مثيرة لحقد وحسد من حولهما، حيث ساهمت شخصية التبريزى بشكلٍ غير متوقع فى تغيير شخصية الرومى الفقيه الذى امتلك "جوامع الكلم"، ورأى الناس فى القرن الثالث عشر الهجرى الهجرى فيه رمزًا لا يتكرر.
وبحسب أحداث الرواية ساهمت شخصية التبريزى فى إثراء تجربة الرومى بل وقلب موازيينه، لكى يتحول إلى "داعية للعشق المجرد" وإلى توحيد الفرقاء تحت سماء الله لكى يتساموا بعشقهم للإله عن أى عشق قد يقعوا فى شراكه.
وترصد الرواية حياة اليهودية "إيلا" التى تعمل لدى إحدى دور النشر وتطالب بكتابة تقرير عن رواية "الكفر الحلو" التى تقلب حياتها "رأسا على عقب" فيما بعد و"تقع" فى حب مؤلفها الذى كان مسيحيا ثم تحول للإسلام بحسب الرواية، وتترك "إيلا" حياتها وزوجها وأولادها من أجل ذلك الرجل "زاهار" الذى "علمها" الحب.
تطرح "قواعد العشق الأربعون" العديد من الأسئلة المثيرة على قرائها لذا يجدوا أنفسهم دائما محل اختبار لمعرفتهم بالله، ليكتشف القراء سؤالا بعد سؤال أنه ربما عليهم مراجعة أنفسهم للوصول إلى رؤية أقرب للحقيقة بالنسبة لـ"الله".
واعتمدت الروائية التركية، المولودة فرنسا فى سرد أحداث روايتها على أكثر من راو تولى كل منهم قص حكايته على القراء. وفى الوقت الذى يتسم فيه العديد ممن يتحدثون عن الله بـ"احتكار" الإيمان، ليستتروا وراء اسمه لإقصاء كل من يظنوهم لا يعرفوا الله "حق المعرفة"، تأخذك هذه الرواية إلى ما هو أبعد من "تصنيفات" المتشدقين بالإيمان ومدعى الفضيلة، فتولد بينك وبين الله وبين خلقه علاقة جديدة أكثر استيعابا وتفهما وتقبلا، وهى من الروايات التى تفترض مسبقا قدرتها على قلب موازيين قرائها بعد تحقق المعرفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة