لا ينقذنا من كوابيس السياسة إلا الفن، ولا يدفئ وجداننا فى هذا البرد السياسى القارس إلا أبيات الشعر، فبها نغتنى وننتشى، وبالقصائد الحلوة نسمو ونحوم فى السماوات العلا.
بين يدى ديوان جميل للشاعر الشاب الموهوب وائل السمرى، عنوانه «الساقى»، وقد صدر عن دار ميريت، ووائل تخرج فى كلية الآثار عام 2001، فافتتن بتاريخنا كله الفرعونى والقبطى والإسلامى، الأمر الذى أضاء له كوامن النفس البشرية بصورة مدهشة، فالإنسان هو الإنسان فى كل زمان، فهو فى حاجة ملحة إلى الحرية والحب والعدل، بغض النظر عن الحكام والعقائد والأزمنة والتواريخ.
اقرأ معى هذا المقطع من قصيدة «رجفة يتبعها ألم».. يقول وائل: «هو لم يعد هو»/ بل نثار من دموع الحرف/ صاف كالرضا/ وملبد كالشهوة الصماء فى شفة الذهول/ صلى كثيرًا ثم أحرق قلبه عطش الدعاء ولا قبول»، ثم يهتف فى نهاية القصيدة: «إنى أنا.. إنى أنا/ أقتات من ليلى لأبدأ رحلة للشوف/ أنساب من أنسى لأرسم بسمة للخوف/ أنسال من كف الأغانى كى أرتل آية للضعف/ وتثاقل النجوى فأرتكب الـ«هو»/ تزاحم الذكرى فأخترع الـ «هى»/ كى لا أظل كما «أنا»/ أو كى نكون كـ«أننا»/ أو كى أقول بكل صدق راجف إنى «أنا».
أما فى قصيدته الفاتنة «وردة الروح» التى يهديها إلى صديقه الناقد الموهوب أحمد حسن، فيصرّح وائل: «مَنْ سيبكى على ورد مَنْ؟ قالها صاحبى حين حنّ/ من يرى فى البكاء النغم؟ قلتها حين فاض الألم؟/ قال: قل/ قلت: أنت الحكم/ قال لى../ لى الحرف/ لك الشعر/ لى العزف/ لك اللحن/ لى الدمع/ لك الدم/ قلت: نعم»
أرأيت؟ إنه الاختزال الحميد.. والتكثيف المشروع، ومن عجب، فهذا الانضغاط فى اللغة يعبر عن اتساع مدهش فى المشاعر، ويبدو أن وائل اتكأ فى تجربته الشعرية هذه على ترويض الكلمات إلى أقصى درجة بوصفها كائنا منفلتا إذا لم تكبح جماحه انطلق وهرب، وعلى الصفحات شرد!
«الساقى».. ديوان جميل وآسر.. يصب فى روحك ماء الشعر العذب، فتهمس فى سريرتك: «شكرًا يا وائل»!