لا شىء أسوأ من العند، بالعند والعند فقط تضيع الأوطان.
لا شىء أسوأ من أن تقول كلمتك بالأمس، ثم تعدل عنها فى الغد لمجرد أن خصمًا لك يقولها.
منذ شهور، بل سنوات، بل عقود، كان الأصوات الحقوقية والسياسية كلها تنادى بإصلاح أحوال المجندين، بإنقاذهم من السخرة، وبإنقاذ وزارة الداخلية من أفرادها غير المتعلمين.
كان الكثير من أهل المجتمع المدنى والمثقفين والسياسيين يشكون ويسخرون من عدم قدرة المجندين وعساكر الداخلية على قراءة الأسماء الواردة فى بيانات رخص القيادة، وبطاقات الرقم القومى.. كانوا يتحدثون عن ضرورة الارتقاء بهذه الفئات، وتدريبها، وتطويرها، أو استبدال فئة أخرى بفئة المجندين، تؤدى نفس المهام، لكن يتمتع أفرادها بالقدرة على القراءة والكتابة على الأقل.
كان هذا طلبهم.. تحول إلى اللاشىء بمجرد أن أصبح طلب الدولة، وكأن الخصومة أو المعارضة تفرض على بعض البشر أن يخالفوا ما دعوا إليه مسبقًا لمجرد أن الدولة تفعله، وكأن بعض البشر يخشى الاتفاق مع الدولة حتى فى الخير.
منذ ساعات أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارًا بقانون بتعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971.. التعديل يستهدف ضم فئة جديدة لأعضاء هيئة الشرطة بمسمى «معاون أمن»، يتم تعيينهم وتأهيلهم وفقًا لأسس ومعايير خاصة للاستفادة من حملة الشهادة الإعدادية ذوى القدرات الصحية والنفسية والرياضية، بشكل يضمن تعزيز القدرات الأمنية فى مواجهة خطر الجريمة بكل أشكالها وأنماطها.
تشكو أنت من جهل المجندين، فأصدرت الدولة قرارًا بقانون يبتعد بهم عن الاحتكاك بالمواطنين، أو يمهد للاستغناء عنهم، مقابل توفير فرد مؤهل قادر على القراءة والكتابة لخدمة المواطنين فى الشوارع، فلماذا ترى فى ذلك خطة شريرة، أو قرارًا غير مدروس، أو ترقيعًا غير محسوب لثوب وزارة الداخلية كما قالت بعض الرموز السياسية؟
تشكو أنت من قلة وجود أفراد الشرطة فى الشوارع لمراقبة المرور أو أعمال الجريمة، فتصدر الدولة قانونًا جديدًا يوفر لك وجود أعداد جديدة مؤهلة ومتعلمة للمساعدة فى الحد من مخالفات المرور والجريمة، فلا ترى فى ذلك سوى أنها لعبة أو مجرد قرار على ورق!
أعلم أن تاريخ الثقة فى الدولة وفى وزارة الداخلية تحديدًا عافيته ليست بخير، وأعلم أن المنشود فى أمر الأجهزة الأمنية تحديدًا هو إعادة هيكلة شاملة وكاملة، ولكن أين الضرر فى خطوة جديدة ترفع عن كاهل الشارع جهل المجندين، وتعوض نقص الأفراد حجة وزارة الداخلية التى تصدرها دومًا حينما نسألها عن نقص الوجود الأمنى فى الشوارع!
فكر قليلًا، وانظر إلى القانون بعين أخرى، عين ترى مصلحة المجندين الذين يفتح هذا القانون أمام بعضهم فرصة للترقى، والحصول على رعاية بعد سنوات من التجاهل والسخرة، وعين ترى قوات إضافية جديدة فى الشوارع قادرة على حمايتك، وقراءة بياناتك الشخصية دون أن يسخر أحد من جهلها أو قلة تدريبها.. أفلحت وزارة الداخلية إن صدقت فى تنفيذ هذا القرار، وخسر من قاده سوء النوايا فى رحلة تقييمه لهذا القرار الرئاسى.