منذ أعوام دخلت إلى عالم السينما، ومؤخرا إلى شاشات التليفزيون، فكرة الصورة المجسمة أو ما عُرف بتقنية البعد الثالث (3 D) تلك التقنية التى طورتها شركة RealD الأمريكية، والتى اقتبست فكرتها من طريقة رؤية العين البشرية للأشياء حيث ترى كل عين جزءا من الصورة وترسل إلى الشبكية ثم يقوم المخ بجمع الصورة بطريقة تظهرها فى شكلها النهائى المجسم تفاصيل طبية وفيزيائية كثيرة ليس المقام مناسبا لشرحها تخرج بعدها صورة المخلوقات من حولك بشكلها الذى تعرفه.. المهم أن صناع السينما والترفيه التفتوا إلى ذلك الابتكار اللطيف وقرروا الاستفادة منه للحصول على صورة أفضل وأقرب إلى الواقع.. الواقع الذى يحمل أكثر من بعد، انتبهوا لذلك بينما يصر البعض على عدم الانتباه لتلك الحقيقة والتعامل مع غيرهم بمنطق البعد الواحد.. عُمرك شفت إنسان مسطح؟ ليس له سُمك!! زى الورقة كدة، الورقة التى تتكون من طول وعرض، وحسب
بالطبع لا... هناك بعد ثالث وهو الارتفاع أو العمق والسُمك وهناك بعد رابع أشار إليه ألبرت أينشتين وهو الزمان، ومؤخرا يجتهد العلماء لإثبات مزيد من الأبعاد أحصاها بعضهم من خلال ما يعرف بنظرية الأوتار بأحد عشر بعدا وربما أكثر.
باختصار وبصرف النظر عن التعقيد الفيزيائى الذى قد تحمله السطور السابقة ما أريد قوله "إن الموضوع كبير.. الكون أعقد كثيرا مما نتصور والإنسان جزء من هذا الكون وهو مخلوق ذو عدة أبعاد.. طول وعرض وارتفاع.. روح وعقل ووجدان.. ماضٍ وحاضر وأحلام.. قيم ومبادئ وأخلاق.
آراء ومواقف وأفكار.. اختزال كل ذلك فى موقف واحد أو رأى واحد أو خيار واحد أو ذنب واحد أو حتى فى بضعة آراء ومواقف وخيارات وذنوب يُحكم عليه من خلالها حكما قطعيا وتُتناسى معها كل أبعاده الأخرى هو ببساطة غبنٌ شديد وقصور فى التقييم ونظرة أحادية مسطحة لا ينتهجها منصف.. رجل على عهدِ النبى ? كان قد أقيم عليه حد الخمر أكثر من مرة فقال رجلٌ مِنَ القَومِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ!بمنطق البعد الواحد والاختزال المعاصر سيُعد الرجل فاجرا فاسقا وستغفل أى أبعاد أخرى فى شخصيته وحياته، لكن الأمر لدى النبى لم يكن كذلك.لقد قال النبىُ: "لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه".لم يمنعه ذنبه (المتكرر) من حب الله ورسوله ?، ولم يمنع النبى ذلك الذنب من أن ينصفه والأهم أن يلفت الانتباه إلى أن هناك أبعادا متعددة ينبغى النظر إليها عند التقييم.
تكرر ذلك المعنى العميق فى كلام النبى فتارة يرغب فى إعذار أهل الفضل وذوى الهيئات إن زلوا وأخطأوا فيقول: "أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم" وتارة أخرى يذكر الأزواج إن كرهوا خلقا من أخلاق شريك حياتهم أن هناك أبعادا أخرى فيقول: "إن كره منها خلقا رضى منها آخر"، ويقول عن ذلك الفقير الذى حقره البعض مقارنة بغنى ذى حسب ونسب: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلءِ الأرْضِ مِثْلَ هَذَا» الأمر إذاً ليس بسطحية مظهر أو بشكل خارجى وحسب، أليس هو القائل فى حديثه بالصحيحين: «إنَّهُ لَيَأتِى الرَّجُلُ السَّمِينُ العَظِيمُ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ». وفى الوقت نفسه هو القائل: «رُبَّ أشْعَثَ أغبرَ مَدْفُوعٍ بِالأبْوابِ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ».الحكم على الشخص إذاً ليس بالبساطة ولا السطحية التى يتصورها البعض.. صحيح أن هناك مواقف فاصلة وأن هناك خيارات محورية قاطعة وآراء مفصلية حاسمة حازمة، لكن حتى مع هذا لا يملك أحد أن يقطع الأمل فى الشخص وإن صدر الحكم عليه فى الدنيا فليس لك من الأمر شىء فى المآل والخاتمة والآخرة فالحمد لله الذى يزننا بأعمالنا..كل أعمالنا. الحمد لله أن لم يجعل حسابنا فى يد مخلوق أحادى النظرة متعجل الحكم لا يرى الناس ولا الحياة إلا موقفا واحدا وذنبا واحدا وبعدا واحدا وينسى دائما أن الحياة..... أبعاد.